السبت، 24 مارس 2012
صحابيات وقديسات منحهن التاريخ لقب الأم المثالية
للمرأة مكانتها المتميزة في الديانات السماوية ففي كل منها نماذج مضيئة لسيدات وهبن انفسهن في سبيل الدعوة الي الله والدفاع عن شريعته وكم من سيدة مازلنا ننظر إلي سيرتهن العطرة
فنستمد منهن القدرة علي العطاء فقد كن نموذجا يحتذي به في الاجتهاد والتبتل في العبادة والإخلاص لله تعالي مع قيامهن بسائر واجباتهن نحو أزواجهن وأولادهن وبعضهن كانت لهن قدرة فريدة علي الصبر والاحتمال والدفاع عن معتقداتهن حتي نلن الشهادة في سبيل دفاعهن عن الحق وضحين بأنفسهن بل وأولادهن في سبيل ذلك.
والتاريخ حافل بتلك النماذج وفي تاريخنا الإسلامي نتذكر منهن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها الصديق وموقفها من محنة ابنها عبد الله بن الزبير بعد وفاة يزيد بن معاوية بويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة في الحجاز واليمن والعراق وخراسان, وظل تسع سنوات ينادي بأمير المؤمنين, حتي شاءت الأقدار أن تزول الخلافة من أرض الحجاز.
جاء الحجاج بن يوسف بجند الشام فحاصر ابن الزبير في مكة, وطال المدي, واشتد الحصار, وتفرق عنه أكثر من كان معه, فدخل عبد الله علي أمه في اليوم الذي قتل فيه, فقال لها: يا أماه, خذلني الناس حتي ولداي وأهلي, فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة, والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فماذا ترين؟
وهناك أمسك التاريخ بقلمه ليكتب موقف الأم الصبور من ابنها وفلذة كبدها, من لحظة حاسمة من لحظات الخلود: الأم التي شاب رأسها ولم يشب قلبها, وشاخ جسدها ولم يشخ إيمانها, وانحني ظهرها ولكن عقلها ظل مستقيما مسددا, قالت أسماء: أنت والله يا بني أعلم بنفسك, إن كنت تعلم أنك علي حق وإليه تدعو, فامض له فقد قتل عليه أصحابك, ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية يلعبون بها, وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت, أهلكت نفسك, وأهلكت من قتل معك, وإن قلت: كنت فلما وهن أصحابي ضعفت, فهذا ليس فعل الأحرار, ولا أهل الدين, وكم خلودك في الدنيا؟! القتل أحسن.
قال: إني أخاف أن يمثل بي أهل الشام.
قالت: وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.
فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي, والذي قمت به داعيا إلي يومي هذا, ما ركنت إلي الدنيا, ولا أحببت الحياة فيها, وما دعاني إلي الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمته, ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدت بصيرة مع بصيرتي, فانظري يا أماه فإني مقتول من يومي هذا, فلا يشتد حزنك.
قالت: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا.
قال: جزاك الله خيرا, ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل, وذلك الظمأ في هواجر المدينة ومكة, وبره بأبيه وبي, اللهم قد سلمته لأمرك فيه, ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين, وذهب عبد الله فقاتل الساعات الأخيرة قتال الأبطال.
ومنهن الوفية لـزوجها في حيــــاته وبعد مماته نائلة بنت الفارض.. زوجة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه عرفت بالرأي الناجح والعقل الراجح والمواقف العظيمة التي سطرها لها التاريخ بأسطر من ذهب .
تزوجت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأسلمت علي يد زوجها عقب قدومها إليه سنة 28 من الهجرة, وحفظت - رضي الله عنها- القرآن الكريم والسنة الشريفة في وقت قصير.
وكانت- رضي الله عنها- شجاعة وقد سميت (بالفرافضة) تيمنا بأحد أسماء الأسد .
ولقد تجلت شجاعتها يوم أن فتح باب الفتنة علي المسلمين .
وحين تأزمت الأمور وحاصروا الدار (دار عثمان- رضي الله عنه-), ومنعوا عنه الزاد والماء بل ومنعوه من الخروج للصلاة, وطالبوه بأن يترك الخلافة, فأعلن رفضه قائلا:
(لن أخلع قميصا كسانيه الله تعالي) ثم تسوروا عليه الدار وهم شاهرون سيوفهم يريدون قتله .
وحينما رأت الزوجة (نائلة بنت الفرافضة) هؤلاء نشرت شعرها وألقت بنفسها علي زوجها .. ثم أهوي رجل علي عثمان بن عفان - رضي الله عنه- بالسيف, فما كان منها إلا أن انكبت عليه واتقت السيف بيدها, ولم تبال بقطع أناملها .
فنادت غلام خليفة المسلمين ــ رضي الله عنه ــ وكان اسمه رباح قائلة:
يا رباح أعني علي هذا, وكان مع رباح سيف لقتله ولكن دخل آخر ومعه سيف فوضع طرفه في بطن أمير المؤمنين فأمسكت الزوجة السيف بيدها فحز أصابعها .
وعندما سكنت الفتنة تقدم الخطاب ومنهم الصحابي معاوية رضي الله عنه, فرفضت وفاء لذكري زوجها وقامت بكسر ثنيتها بحجر, حيث كانت- رضي الله عنها- من أحسن الناس ثغرا .
ضربت أروع الأمثلة في الوفاء والحب لزوجها في حياته وبعد مماته.
ومن النماذج المضيئة أيضا أم عمارة في شجاعتها التي لاتقهر في الجهاد:
وفي هذا الموقف يلاقي أحد الفرسان المشركين حتفه علي يدي أم عمارة فتقول: ويقبل رجل علي فرسي فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا وولي فاضرب عرقوب فرسه فوقع علي
ظهره فجعل النبي صلي الله عليه وسلم يصيح ' يا ابن عمارة أمك أمك , قالت فعاونني عليه حتي أوردته شعوب (يعني قتلته), وقد رآها النبي صلي الله عليه وسلم والدم ينزف من كتفها ولكن هذا لم يجعلها تتوقف عن الجهاد بل ازدادت إصرارا علي متابعة القتال
فيقول صلي الله عليه وسلم: لابنها عبد الله بن زيد ' أمك أمك اعصب جرحها, رحمك الله أهل البيت, مقام ربيبك ( يعني زوج أمه) خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت' ولمحت أم عمارة ابنها والدم يتدفق من جرحه, فأقبلت وأخرجت عصائب قد أعدتها للجراح وربطت جرحه والنبي صلي الله عليه وسلم ينظر هذين البطلين ثم قالت لابنها : انهض يابني فضارب القوم.فسر رسول الله صلي الله عليه وسلم وجعل يقول ' من يطيق ماتطيقين يا أم عمارة
وفي التاريخ المسيحي يتذكرون القديسة (أنثوسا) Anthusa أم القديس يوحنا ذهبي الفم.. وإذا كان يوحنا ذهبي الفم من أعظم قديسي الكنيسة الجامعة ومعلميها, ومن أشهر آبائها فلأمه(أنثوسا) فضل تنشئته في مخافة الله وتقواه, وقد رسمت له بسيرتها الطاهرة الخطوط العريضة لمسار حياته. وقد ترملت الأم (أنثوسا) في ريعان الشباب ولم تتطلع الي زواج وقد حام الشباب من حولها وانما آثرت الترمل علي الزواج الثاني .
إن (أنثوسا) أم ذهبي الفم فقد اختارت الطريق الأفضل طريق الذين تبتلوا لله وانقطعوا لعبادته وهي تواظب علي التضرعات والصلوات ليلا ونهارا.
علي أن (أنثوسا) وجدت هدفا عزيزا آخر أوقفت له وعليه حياتها مع عبادتها المتواصلة. هذا الهدف هو تربية ابنها يوحنا التربية المسيحية المثالية فلم تهمله بل عاشت معه ومن أجله ربته ولازمته وأعطته كل حبها ووقتها وجهدها وأولته كل رعايتها.
أن (أنثوسا) أم وامرأةولم تكن لها شهرة ولدها القديس ولكن فضلها علي الأجيال لا ينسي لأنها هي التي ربته وأنشأته وهي التي قدمته لله وللكنيسة وللعالم خير رجل مجمل بالفضائل.
كان يمكنها أن تتزوج برجل يؤنس وحدتها ككل امرأة ولكنها رأت أن مثل هذا الزواج سيحتل في قلبها وفكرها مكانا يحتاجه ولدها فآثرت أن تضحي براحتها وسعادتها حتي لا تنقص سعادة ولدها وراحته.
فلما كبر (يوحنا) إلي سن المدرسة أرسلته أمه إلي إحدي المدارس في أنطاكية وظل يرتقي في سلم الدراسة درجة درجة.. وفي مرحلة الشباب انتظم دارسا في مدرسة للبيان أنشأها الخطيب الشهير (ليبانيوس) (314 حوالي 393) في أنطاكية وتتلمذ عليه (يوحنا) كما تتملذ عليه القديس باسيليوس الكبير.
ونال يوحنا أعلي شهادة في زمانه في الفصاحة والبلاغة كما مضي إلي أثينا ودرس الحكمة والفلسفة في مدارسها ثم ذهب إلي الإسكندرية وأمضي في مدرستها اللاهوتية الشهيرة خمس سنوات, عاد بعدها إلي بلده أنطاكية شابا مرموقا يشار إليه بالبنان, وصار محط أنظار الناس جميعا.
وكاد يوحنا يتيه عن نفسه في جو الإعجاب الذي أحاط به وهو شاب صغير, لولا أن تلقفته يد صديق مخلص هو حبيب عمره (باسيليوس) الذي رافقه وزامله, وزين له حياة القداسة, وأقنعه ببطلان الحياة الدنيا, وأبرز له تفاهة الأرضيات بإزاء السمائيات, وزوال الزمنيات بإزاء الأبديات فأصغي إلي نصائح صديقه,
وتنبهت فيه تعاليم أمه_ (_أنثوسا_) _التي أرضعته إياها مع لبن الرضاعة فتشددت روحه واعتزم علي أن يتبتل منقطعا لخدمة الله في أحد الأديار فعلمت أمه بذلك ومع ابتهاجها بتقواه ومسيرته في طريق الكمال المسيحي إلا أنه آلمها أن يتركها وحيدة وهي التي بذلت في سبيله حياتها فأخذت تبكي متضرعة إليه أن يرجئ أمر رهبنته حتي توفي أيامها وتنتقل إلي العالم الآخر فبكي لبكائها وأقنعته بكلامها وعدل مؤقتا عن مفارقتها وبقي معها في البيت عابدا وكان لا يخرج إلا لعمله ثم عود إلي عكوفه وصلواته.
ومن رموز الامهات في المسيحية أيضا القديسة مونيكا أم القديس أغسطينوس
ولدت سنة 332م في قرية تاغستا (سوق الأخرس الآن) بشمال أفريقيا, وتربت تربية مسيحية صادقة. كانت وهي طفلة تترك رفيقاتها أحيانا وتترك لعبها وتختفي وراء شجرة تركع وتصلي. وكلما كانت تكبر كانت تتفتح في قلبها رياحين المسيحية. كان جمالها بارعا, وقامتها فارعة, وعقلها سديدا, وحكمتها عظيمة.
تزوجت مونيكا بغير إرادتها من رجل وثني شرير يدعي باتروشيوس, كان يشغل وظيفة كبيرة, فخدع أهلها به. كانت أمه حسود شريرة كما كان الخدم أشرارا, لكنها أيقنت بعد زواجها أن الله يريدها لحياة الإيمان فلم تتذمر لشرور زوجها وحماتها بل كانت تظهر لهما جمال المسيحية ووداعتها.
هزمت حماتها أمام تواضعها وطول أناتها ولم تعد تسمح للخدم أن يشوا بمونيكا لديها أو لدي باتروشيوس, بل وطلبت من ابنها جلد الخدم الأشرار. كانت مونيكا تقابل ثورات غضب زوجها بالحلم والصمت والصبر. وحينما كان يهدأ كانت تشكو له برقة وحنان ما نالها من غضبه فكان يلوم نفسه ويعد بإصلاح ذاته, لكنه كان يعود لسيرته الأولي. رزقت بثلاثة أولاد كان أكبرهم أغسطينوس, فكانوا موضع عنايتها وكانت تتعزي بهم عن حماقة زوجها وشراسته.
أهم ما تتصف به هذه القديسة البارة هو إيمانها بقوة الصلاة بالصلوات الحارة الخارجة من قلبها المفعم بالإيمان كسبت كلا من زوجها الشرير وابنها الذي انحرف, شأن شباب عصره. وضعت في قلبها أنها لابد أن تربح نفس زوجها, وكان إيمانها وطيدا حتي كانت ترشد المعذبات مثلها بأن الصلاة هي مفتاح الفرج. كانت الثمرة الأولي لصلاتها هي إيمان زوجها الوثني, ففرحت لذلك جدا ونسيت آلامها, لكنه ما لبث أن مرض ومات وترملت في شبابها.
استجاب الله لدعاء مونيكا فقبل زوجها باترشيوس الإيمان في الوقت الذي كان أغسطينوس في السابعة عشر من عمره. بعد وفاة زوجها تفرغت لأولادها ولخدمة القريب وأعمال العبادة, فكانت تذهب كل يوم إلي الكنيسة. وهبها الله نعمة الدموع حتي اشتهرت بين قديسي الكنيسة بهذه الفضيلة. وكانت تخصص أوقاتا طويلة لزيارة المرضي وخدمتهم وخدمة الفقراء وتعزية الأرامل وتقوية قلوب الزوجات المتزوجات بأزواج أشرار والأمهات اللواتي لهن أولاد شاردون.
دولاجي الأم الشهيدة
تعتبر هذه الشهيدة بكر شهداء إسنا وشفيعة المدينة, ويعتبرها البعض شفيعة الصعيد كله.
في زمن الاضطهاد الذي أثاره الطاغية دقلديانوس كانت منطقة إسنا بالصعيد الأعلي غنية بقديسيها من إكليروس وعلمانيين, متبتلين ومتزوجين.
قام أريانوس والي أنصنا برحلة تجول في بلاد الصعيد ليري مدي تنفيذ مراسيم سيده الإمبراطور, ولكي يشبع شهوة قلبه الداخلية في تعذيب المسيحيين وقتلهم, وقد تردد علي هذه المدينة علي الأقل ثلاث مرات.
لقاء مع الصبية القديسين
لم نسمع شيئا عن زوج القديسة الأم دولاجي, ولا نعرف حتي اسمه, إذ يبدو أنها كانت أرملة.
يذكر التاريخ أنها كانت غنية وزعت ما لديها علي الفقراء والمساكين. وحالما دخل أريانوس والي أنصنا مدينة إسنا قابله أربعة صبية أشقاء وهم صوروس وهرمان وأبانوفا وشنطاس, كانوا يسوقون دابة محملة بالبطيخ. فأوقفهم وأمرهم أن يسيروا معه للسجود للأوثان, لكن الصبية الشجعان أبوا وأعلنوا مسيحيتهم.
حاول معهم بالإغراء فلم يفلح, فأخذ الوالي يتوعدهم بأنه سيلحق بهم التعذيب حتي الموت, وإذ لاحظ إصرارهم علي التمسك بالإيمان أمهلهم لكي يتراجعوا عن إصرارهم.
الأم دولاجي تشجع أولادها
طار الخبر إلي أمهم التقية والشجاعة دولاجي, والتي تحسب مفخرة من مفاخر الشهداء. هبت مسرعة إلي مكانهم. وأمام الوالي كانت تشجعهم وتقويهم, فامتلأ أريانوس غيظا, وأمر بحبسهم جميعا, تمهيدا لمحاكمتهم.
الأم تعد أولادها للاستشهاد
في داخل السجن أخذت الأم دولاجي تصلي مع أولادها. كانت تطلب عونا إلهيا ليثبت هؤلاء الأولاد الصغار. استطاعت الأم بأحاديثها العذبة أن ترفع قلوب أولادها إلي السماء, وأن يشتهوا نوال أكاليل المجد. وفي الليل ظهرت لهم السيدة العذراء, وكانت تشجعهم وتخبرهم بأن السيد المسيح قد أعد لهم مكانا أبديا في السموات. وقد كانت الرؤيا مشجعة لهم ومقوية لإيمانهم.
محاكمتهم
في الصباح استدعاهم الوالي, وحاول معهم مرة أخري أن يبخروا للآلهة, فإذا بالأم دولاجي تصرخ معلنة إيمانها المسيحي هي وأولادها, قائلة: 'إني مسيحية مؤمنة بالسيد المسيح الذي خلق السموات والأرض والبحار والأنهار وكل ما فيها'. وكان من خلفها أبناؤها الذين كانوا يهتفون 'نحن مسيحيون' وأنهم يرفضون عبادة الآلهة الكاذبة.
ألقيت الأم وأولادها في السجن لتنفيذ حكم الإعدام.
استشهادهم:
امتلأ أريانوس غضبا وأمر بقطع رؤوسهم, علي أن يذبح أولادها علي ركبتيها الواحد تلو الآخر, وفيما كانوا يفعلون ذلك كانت ترتل وتصلي, وأخيرا قطعوا رأسها.
مازالت أجسادهم الطاهرة بالكنيسة التي تحمل اسمهم بمدينة إسنا حتي الآن.
تحتفل الكنيسة بعيد استشهادهم في السادس من شهر بشنس.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق