الجمعة، 16 مارس 2012

مبارك قدم رشـوة لبعض الرؤساء

كان عمري سنة حين مات عبدالناصر‏,‏ ومات أبي معه‏.‏ هكذا كانت طفولتي بلا أب وبلا رئيس‏.‏ علي أني عرفت السادات حين قتل‏ فقريتنا تعرف الرؤساء حين يموتون المهم أنني كبرت وتخرجت, تزوجت وصرت أبا ولم أعرف لي رئيسا غير مبارك. مكرم محمد احمد اثناء حديثه لمندوب الاهرام عرفته من واقع عشته, من حقوق, أكثر مما هي أحلام, استحال علي تحقيقها وأخري جاءتني متأخرة. ومن زملاء دراسة تركتهم في الجامعة وإذا بي أراهم بعد20 عاما وقد خرجوا لتوهم من سجون مبارك لمجرد أنهم كانوا ذات يوم بلحية. وعرفت مبارك من ناس اقتربوا منه وآخرين عارضوه, غير أنني, بعد كل ذلك أسأل نفسي, مع من يسأل: هل حقا عرفته ؟ ولكي أجيب عن السؤال رحت, في هذه الشهادة مع مكرم محمد أحمد, أري الرئيس عند النهايات, وقد تحول إلي متهم. ثم حاولت, في الحلقة الثانية, ان أراه عند البداية إلي جوار السادات.. الرجل الذي اختار نائبه بعناية بدا من شدة إحكامها أنها صدفة. والآن أري مبارك في عهدة عبدالناصر أو في عهده.. حين بدأ يرتفع إلي أبعد نقطة, ثم ساقه كل شيء بعد ذلك إلي الميدان, واتضح أنه, هو الآخر, لم يكن يعرفنا. > إذا وضعت مبارك في إطار واحد بجوار عبدالناصر. كيف تصف الصورة ؟ - المسافة كبيرة جدا بينهما. من الظلم لعبدالناصر أن نقارنه بمبارك, ليس تقليلا من مبارك, لكن للخلاف العميق بين الشخصيتين والعصرين. المشترك الوحيد بينهما أنهما عسكريان, لكن المسافة بعد ذلك شاسعة > بمناسبة العسكر, منذ ثورة يوليو وإلي ثورة يناير.. إلي أين قادوا مصر ؟ - بعد أكثر من60 سنة من حكم العسكر, ما زالت مصر, لسوء الحظ, دولة غير ديموقراطية, والتحدي اليومي الذي يواجهها هو رغيف الخبز. المشكلات كما هي.. الفقر, الأمية..إلخ. حلمنا وتكلمنا أكثر مما فعلنا > ما الميراث الذي تركه عبدالناصر وأنهاه مبارك ؟ - رغم أنني تربيت تحت سقف ثورة يوليو إلا أن هزيمة67 أوقعت طلاقا بائنا بيني وبين حكم عبالناصر. النكسة كانت هزيمة لثورة يوليو, ومن ثم أنهي نظام عبدالناصر نفسه بنفسه, وبقايا العدالة الاجتماعية التي تركها وفكرة الاستقلال الوطني, كل هذه الأفكار حولتها الهزيمة إلي حفنة شعارات. > أسألك وفي ذهني القطاع العام وأشياء أخري أتي عليها حكم مبارك ؟ - القطاع العام لم يتمكن من أن يراكم قدرا من الفوائض الاقتصادية يمكن التنمية من السير علي قدمين. وكلنا يعلم أن القطاع العام أدير حتي في فترة عبدالناصر بمنطق العزب, صحيح أن الفساد لم يكن مستشريا هكذا, لكن في النهاية كان نظام عبالناصر قد آل للسقوط وبقي منه الرمز > تولي مبارك الحكم إذن بشرعية أكتوبر لا بشرعية ثورة يوليو ؟ - شرعية يوليو ظلت مستمرة إلي ما بعد حرب أكتوبر, لأن الجيش كان مصدر القوة, وقد حصل بالفعل نوع من تجديد الشرعية بحرب أكتوبر, لكن في النهاية لم تطغ هذه الشرعية تماما علي شرعية الثورة. هي ضخت فيها دماء جديدة > قل لي: ما الذي يمكن أن تؤول إليه ثورة يناير, قياسا بثورة يوليو ؟ - ثورة يناير جاءت علي حساب ثورة يوليو, لأن معناها ببساطة أننا أمام مرحلة جديدة تختلف كثيرا عن مرحلة يوليو. > ما أخطاء عبدالناصر ؟ - أنه ترك الجيش تحت سيطرة عبدالحكيم عامر, ثقة في صداقته لا في قدرته. وعبدالناصر لم يوازن بين القدرة والأمل, ثم إنك لا تستطيع أن تخاصم العالم كله. معارك عبدالناصر تمددت باتساع الخريطة, صحيح أن محاولات جرت لإعاقتنا عن النهوض, لكن علينا أن نعترف بأن الثورات هي التي تفتح الطريق دائما للثورات المضادة > وكيف تقيس هذه الأخطاء إلي أخطاء مبارك ؟ - أخطاء عبدالناصر استراتيجية تتعلق بعدم قدرته علي تنفيذ رؤية ثورية. كبوة مبارك أن المصريين حلموا معه بأن يكون لديهم رئيس طبيعي يغير عصر الفرعون, لكنه حول مصر في السنوات الأخيرة إلي خلطة لا هي ملكية ولا هي جمهورية, وبدأ الناس ينتقدون أسرته إلي حد الكراهية. بدا لدي المصريين أن هذه الأسرة تحتقرهم, وأنهم أصبحوا متاعا لها. عبدالناصر ارتكب هزيمة, فغضبنا معه ومنه وعليه, لكن مع مبارك حصل انفجار من السخط والرغبة في الانتقام منه. أعتقد أن عدم إدراك مبارك لأثر التوريث علي أعماق الشعب المصري يمكن أن يوصف بالبلادة. المصريون كانوا يمكن أن يغفروا لمبارك أخطاءه, لكن الغصب جعلهم مصرين علي كراهيته > والتوازن الطبقي الذي كان موجودا أيام عبدالناصر.. بنهاية حكم مبارك بدا أن القطط السمان أكلت كل الطبقات ؟ - العالم أيام عبدالناصر كان يتجه شرقا, متصورا أن العدالة الاجتماعية والاشتركية هي الحل, وأن دور الدولة في الاقتصاد لا بد أن يكون أساسيا, لكن التجارب كشفت أن الدولة هي أسوأ صانع وأسوأ زارع. لا يصح أن تبني اشتراكية في غيبة الاشتراكيين. وما حدث بعد كل شيء أنك ما زلت تناضل لتربط الرغيف عند5 قروش. بينما هناك دول تقدمت في مدة لم تتجاوز15 سنة, لأنها أخذت بفكر التطور بديلا عن الثورة. ربما تكون الثورة بالفعل هي الحل في بعض القضايا, لكن المشي بخطي طبيعية من خلال التطور, كثيرا ما يكون أفضل من الطفرة > التركيز أيام عبدالناصر, ومبارك أيضا, علي الشأن الخارجي, أتصور أنه تم علي حساب الداخل؟ - عبدالناصر كان يتصور, ونحن معه, أنه يمكن أن نصحو في الغد علي عالم عربي واحد, لكن ما حدث أن العرب انقسموا علي عبالناصر وأفسدوا مشروعه, جزء منهم تحالف مع الغرب لضربه, ومن ثم سقطت نظرية الوحدة وبدا أن خطأ محمد علي في نفارين يتكرر. السادات جاء برؤية جديدة هي أن المصالحة مع الغرب, ومع العالم العربي هي الطريق لبناء مصر جديدة, وهذا تفكير واقعي, لكن كل ذلك لا يكاد يمشي خطوة حتي يتوقف.. > يفترض أن أتقصي معك أسباب التوقف, لكن المساحة محدودة. وأظن أن الأسباب معروفة, ولهذا أريدك أن تكلمني عن اليوم, لأنه ما زال عالقا في الأمس. أسألك عن مبارك.. كيف كان وقع الثورة التونسية عليه ؟ - مبارك كان يعيش في غيبوبة منذ3 أعوام. العالم كله كان مقلوبا حوله وهو لم يكن يدري. هو وأركان نظامه, كانوا, مثل الآلهة اليونانية, يمشون إلي مصائرهم معصوبي الأعين > ألم يتصل مبارك بـ بن علي ؟ - لا أعرف > هل عاصرته في لحظات ضغط.. كالطائرة المصرية المنكوبة في مياه الأطلسي مثلا ؟ - لا أعرف تأثيرها المباشر عليه, لكن مبارك كان قوي الأعصاب إلي حد البرود في مواجهة مثل هذه الحوادث. لم يكن يري فيها خطرا يدعو إلي التنقيب! > ألم يتأثر بأية حادثة ؟ - في حادثة الأقصر. قال لـ حسن الألفي: جري إيه يا حسن. ما إنت خربتها. فيما عدا ذلك لم يغضب > قيل وقتها إن حبيب العادلي تواطآ ضد الألفي, ليأتي بدلا منه ؟ - لا أظن > وكيف كانت علاقة مبارك بوزراء داخليته.. فيمن وضع ثقته ؟ - كان يحترم حسن أبو باشا. كان يناديه بـ حسن بيه. وحسن كان أكثرهم صدقا معه. أذكر أن فؤاد محيي الدين طلب منه اقتحام نقابة المحامين, لكن أبو باشا رفض, ومبارك شجعه علي موقفه. قال له: فؤاد أحيانا بتبقي له أفكار كده. الغريب أن مبارك, رغم ثقته في فؤاد محيي الدين, إلا أنه كان يقلق من بعض تصرفاته. وأعتقد أن علاقته بالعادلي كانت وثيقة جدا جدا. أما زكي بدر فكان بلدياته, وكان مبارك عندما يذهب للمدرسة يركب كارتة زكي بدر. زكي بالمناسبة شخص نظيف, لكن تنقصه الحكمة, ومبارك أقاله لهذا السبب > هناك اعتقاد راسخ لدي كثيرين بأن نظام مبارك كان يفتعل الحوادث للتعمية. حادثة القديسين هي أقرب الحوادث ؟ - ربما, لكن لو أن النظام يفعل ذلك, ستكون هذه الأمور من أخص أسراره > وعلاقته بدول الجوار.. السودان تحديدا ؟ - أظن أن مبارك لم يكن يحب البشير. وأظن أيضا أن مبارك كان يعتقد أن أمين نمر, مدير المخابرات, وعبدالسلام المحجوب غشوه, لأنه أرسل الاثنين, وكنت ثالثهما في الطائرة التي توجهت إلي السودان لاستكشاف وضع البشير إبان انقلابه, وعاد نمر من هناك يزكي البشير, قال لمبارك إن البشير رجل دين حقيقي وإنه ضد التطرف ووضع الترابي في السجن..إلخ. وبناء عليه اتصل مبارك بالسعودية وغيرها وأخذ يحضهم علي تأييد البشير. وحدث بعد ذلك أن الإنجليز أخبروا بطرس غالي أن مصر أخذت خازوقا في البشير, لأنه ينتمي للإخوان المسلمين وأن عملية سجن الترابي لم تكن أكثر من تمويه علي مصر. وبدوره نقل غالي هذا الكلام لمبارك. فطالبت بعض الدوائر برقبته ومحاكمته بتهمة الخيانة, لأنها اعتبرت ما نقله ادعاءات وتشكيكا في مصداقيتها. لكن مبارك أمنه وحماه. المهم أن عقدة مبارك, التي جعلته يقبل تصرفات البشير, هي خوفه من تقسيم السودان, حقيقي > هل كان بإمكان مصر أن تحول دون تقسيم السودان ولم تفعل, خدمة لجهات أخري ؟ - البشير كان يضغط علي مصر, لتمده بأسلحة تساعده علي حسم معركته مع الجنوب, بل طالبها بأن تدخل طرفا في القتال, وكان دائما ما يبدي غضبه, لأن مصر تقدم منحا للجنوب وتخلق معه خطوط اتصال مباشرة. المهم أن مبارك بلع الزلط من البشير, كي لا يحدث انفصال. لكن مصر كانت أضعف من أن تحول دون وقوعه > هل فرط مبارك في النيل ؟ - إذا كان قد فرط, فلأن مصر لم تنتبه لسياساتها في أفريقيا, فضلت الذهاب شمالا. وزادت المسافة بعدا بعد محاولة اغتيال مبارك وامتناعه عن حضور القمم الأفريقية, من هذا الباب ومن باب الاعتقاد بأنه يمكن رشوة رئيس هنا وآخر هناك, وقع التقصير > من هؤلاء الرؤساء ؟ - أستطيع أن أسمي لك الرؤساء الذين تلقوا رشاوي, وكم أخذوا, لكن هذا خطر علي وخطر عليك > قل لي: هل كان مبارك يثمن حظه, أم كان لديه اعتقاد بأنه يستحق ما وصل إليه ؟ - لم يكن يحلم بما وصل إليه, وكانت أقصي أمانيه أن يكون سفيرا. هو فوجيء حين عرض عليه السادات منصب النائب > من يقرأ كتاب هيكل عن مبارك يخرج بانطباع أنه رجل سطحي وتافه. هل قرأته ؟ - لا يمكن وصف رئيس استمر في الحكم30 سنة, بأنه سطحي وتافه. لا بد, بطول المدة, أنه تعلم شيئا. مبارك مهما تكن سوءاته, قدم لمصر أشياء مهمة.. طابا وغيرها, هذه الأشياء ألا تعطيه2 من10 علي الأقل ؟ يستطيع هيكل أن يقول عن مبارك إنه كان حذرا أزيد من اللازم, فنوافقه, يستطيع أن يصفه بالبطء, فنوافقه, لكن لا يمكنني أن أصفه بحكم قاس كهذا > علي ذكر البطء: كيف تفسر التناقض بين اهتمامات مبارك وبين قراراته. كان يلعب الاسكواش, وهي لعبة تحتاج لرد فعل سريع, بينما هو في منتهي البطء ؟ - البعض يرد البطء لكونه طيارا, خاصة طيار النقل الثقيل, وعندما تكون نائبا ودورك هو الموافقة علي ما يقوله الرئيس, وانتظار ما يقوله الرئيس, وطبيعتك أن تحترم تسلسل الرتب, كل ذلك له دخل > ما مفاتيح شخصيته ؟ - شكوكه في كل شيء, هاجس الأمن, ليست لديه القدرة علي المبادرة. وموضوع التوريث جعله يتصرف بطريقة مختلفة. مثلا هو سحب سفيرنا في إسرائيل عام2002, بينما رفض سحبه أثناء الحرب علي غزة, لأنه لم يكن يريد إغضاب أمريكا وإسرائيل. مع أن أمريكا قالت إن علي السعوديين أن ينتقلوا من المقاعد الخلفية إلي مقود السيارة. كان مبارك ضعيفا تجاه السعودية وأعطي لها المبادرة, بحيث تأتي في المقدمة قبل مصر > ما سبب ضعفه ؟ - كان لديه تصور أن تخريب العلاقة بالسعودية أيام عبدالناصر والسادات أضعف مصر, وأن الثروة قد تغيرت أماكنها, وأن هناك تغيرات حدثت نتيجة فقر مصر, مع أنه لم يفعل شيئا لمواجهة هذا الفقر > وما الآثار الجانبية لهذا الضعف ؟ - التدقيق مع السعودية, المعاملة بالمثل. لم ترد هذه الأشياء علي باله, كان يشاور السعودية في كل كبيرة وصغيرة. إذا تنفس الهواء يذهب للسعودية ويقول لـ عبدالله. لم يكن قادرا علي إغضاب السعودية, أو الرد عليها إذا أساءت. معتقدا بذلك أنه أكثر القادة المصريين فهما للعقلية العربية > يبدو أن السعودية كانت أيضا نقطة تفتيش علي الطريق إلي البيت الأبيض ؟ - كان لدي مصر مفتاح المنطقة بالنسبة لأمريكا, لكنها اكتشفت أن هناك أشياء كثيرة يعجز مبارك عن تسليمها, خاصة في القضية الفلسطينية. لم يكن يريد الضغط علي عرفات. كانت أمريكا تأمل أن يضغط عليه لقبول التسوية التي حدثت أيام كلينتون, لكنه لم يفعل ذلك, فانتقلت محاولاتهم إلي الجانب السعودي, أو علي الأقل, جري التفكير في السعودية كمركز بديل للقيادة > ومن جهة أخري.. هل كان مبارك يدا يدق بها البعض أبواب البيت الأبيض ؟ - عرض علي بشار الأسد أن يصلح علاقاته بأمريكا. كان يأمل, والسعودية معه, أن ينفض بشار يده من إيران, قالوا له: إنت عامل لنا مشاكل وهتعمل لنفسك مشاكل. لكن يبدو أن إيران, من خلال معوناتها التي وصلت إلي الجيش السوري, قد سيطرت علي الأوضاع إلي حد أن بشار لم يعد قادرا علي التخلص منها > أظن أن مبارك كان يحتقر شعبه ؟ - لا أعتقد > هناك وقائع ثابتة يا أستاذ مكرم. منها أنه كان يقول إن المصري مستعد لتقبيل الأحذية من أجل الكرسي ؟ - أنا لم أسمع منه شيئا كهذا. لكن حدث مرة أن قلت له: يا ريس منظر عساكر الشرطة علي موائد الرحمن لا يليق بالدولة, فقال لي: هم كده يا مكرم! > يقصد المصريين ؟ - يقصد الشرطة, واسحبها أنت علي الجميع, إذا أردت > أعود إلي مفاتيحه.. أهو بالفعل معقد ؟ - شخصيته لا تنطوي علي تعقيدات ضخمة. هو بسيط, لكن ليس إلي درجة السذاجة, كانت به درجة من خبث الفلاحين > في أي موقف رأيت خبثه ؟ - الطريقة التي كان يدير بها الوزراء وفي علاقاته مع رؤساء التحرير, ومع معاونيه. لم يسلم واحد منهم من انتقاداته, وهذا ربما يعكس رغبته في أن يكون الأوحد, وأنه وراء أي نجاح وكل نجاح. مرة, ونحن في الطائرة, قال لنا في حضور مصطفي الفقي: أوعوا تتصوروا إن مصطفي عارف حاجة! ده ما بيعرفش حاجة! > وقال لعمرو موسي, مشيرا لرفيق الحريري, فهم الأخ رفيق يا عمرو أن رئيس الدولة هو الذي يرسم السياسة الخارجية لمصر ؟ - لا أعرف هذه الواقعة, لكن عمرو احتد عليه حين طلبت مادلين أولبرايت من مبارك أن تقابله بدون عمرو, فاستجاب. وصل الأمر إلي حد أن زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز كانا يرتعشان من ارتفاع الصوت بين الرئيس ووزير خارجيته > ما لحظة الضعف التي رأيت مبارك عليها ؟ - موت حفيده > هناك واقعة أريد التأكد منها.. قرأت أن والدة مبارك رفعت عليه سنة1960 دعوي نفقة, وأقنعه أحد رؤسائه بحل الموضوع بعيدا عن المحاكم ؟ - لو صحت هذه الواقعة فهي شيء خطير > هل كان يبالغ في التأنق ؟ - كان يحسن اختيار ملابسه, يلبس أفخر البدل والقمصان > أي صناعة ؟ - في البداية كان يتعامل مع ترزي صغير في بون, لكنه استقر بعد ذلك علي باريس > وحكاية الأحذية.. لم يكن يهتم بالناس قدر اهتمامه بأحذيتهم؟ - لا أعرف شيئا عن ذلك. لكنه سألني مرة: منين البدلة دي يا مكرم, فقلت له: من سوريا. فقال: ليه مش بتشتري المصري؟ فأجبته: إنت مرة نصحتني أشتري المصري وندمت > لله وللتاريخ..هل كان طرفا في صفقات السلاح ؟ - ليست لدي معلومات, لكن جمعته صداقة قوية بـ حسين سالم وكمال حسن علي > لماذا لم يترك رئاسة الحزب الوطني ؟ - لأنه إذا فعل فمعني ذلك أنه يتنازل عن أداته في التأثير علي التشريع. هو لكي يتخلي عن بعض الأقطاب المطلوب تطهير الحزب منهم,.. يوووه. مبارك كان أسير الأمر الواقع > رغم علمه بفسادهم ؟ - نعم > إذن تستر علي الفساد ؟ - مصر كانت مقسمة ضيعات, وكل واحد في مجاله كان يفعل ما يشاء, لأنه لا يسئل. > ألا يتحمل مبارك مسئولية ذلك ؟ - أكيد, يتحمل جزءا من المسئولية عن هذا الفساد > وباقي الأطراف ؟ - الشعب المصري, القانونيون الذين صاغوا له أغرب مادة في التاريخ.. المادة76 > من هم ؟ - كثيرون اشتركوا في صياغتها, في حوار أداره صفوت الشريف. وأظن أن آمال عثمان كانت وراء كل القوانين الأساسية في عصر مبارك > أعتقد يا أستاذ مكرم أن الصحافة المصرية أديرت من لجنة السياسات ؟ - في الفترة الأخيرة كان معظم رؤساء التحرير أعضاء في اللجنة. جمال مبارك كان يعرف أهمية أن يكون له رجال في الشارع الصحفي. وأظن أنه أسهم في التعيينات قبل الأخيرة > كيف استفادت مصر من حرب الخليج الأولي؟ - فائدة محدودة جدا, صدام حسين كان يعامل مبارك من عل. ومرة قلت للرئيس: كيف تسمح لصدام بأن يضع يده علي كتفك. فقال بلا مبالاة: يا شيخ. صدام كان شديد الغرور. ومبارك كان يعرف ما يقوله صدام عن أن المصريين تجار سلاح > ومجلس التعاون العربي هل كان مجرد شرك ؟ - مبارك نفسه قال: أنا كنت فاهم إنهم عايزين يعملوا حاجة, لكن فوجئت بأن صدام عامل لي مغرس. صدام لعب علي أزمة مصر الاقتصادية, متصورا انه بذلك يمكنه السيطرة علي مبارك. وقد شعر الرئيس في النهاية أن صدام خدعه. كانت خطة مبارك أن تؤجر الكويت من العراق إحدي الجزر المتنازع عليها, وقد ذهب بهذه الخطة إلي بغداد, لكن صدام تعمد أن يقول نتائج المباحثات علنا.. وضع يده علي مبارك وقال: سيادة الرئيس لا تقلق..هؤلاء( يقصد الكويتيين) ليسوا أكثر من مخفر شرطة علي الحدود أمامي. وعليه تصور مبارك أنه نجح في مهمته, لكن صدام في اليوم التالي دخل الكويت > قل لي: لماذا قبلتم هدايا صدام ؟ - رؤساء التحرير قبلوا منه السيارات المرسيدس.230 لكني لم آخذ شيئا, لأني لم أكن معهم > كنت ستقبل لو أنك ذهبت ؟ - ربما, الله أعلم, لأن مبارك فرض عليهم أن يأخذوها بشرط أن تكتب باسم المؤسسات الصحفية. وقال لهم: سأعفيكم من جزء من الجمارك > لكنه لم يطلب منهم, من حيث المبدأ, عدم القبول ؟ - لا, حتي حرس الرئيس أخذوا > ومبارك نفسه ؟ - الله أعلم > هل حدث تنافس من نوع ما بين أبناء الرئيس؟ - قيل إن علاء انتابته ذات يوم موجة تصوف, لكن طموح جمال كان قويا وعناده كان أقوي. وأظن أن عناده أشد خطرا من عناد أبيه. وكان من الواضح أن حكومة نظيف هي نتاج التأثير المتزايد له علي الرئيس. رغم ما قيل عن عدم ارتياح نظيف من وصاية جمال عليه. > إلي أي حد كان مبارك يؤمن بانفصال السياسة عن الأخلاق؟ - كل رئيس جديد يبدأ بالربط بين الأخلاق والسياسة, ثم يبتعد في النهاية ويتحول إلي قدر من الميكيافيلية > وقضية التوكيلات الأجنبية ؟ - مرة قلت له: ياريس لا يمكنك أن تتصور حجم الإشاعات التي تطول علاء في الشارع. الناس يتصورون أنه صاحب كل محطة بنزين في مصر. فرد: قول لجمال > إلي أين وصلت أصابع أمن الدولة يا أستاذ مكرم؟ - وصلت إلي درجة أنهم كانوا يصورون بعض الشيوخ, غرمائهم السياسيين, في أوضاع مخلة. قالوا لأحدهم: الصور أهي. هتقعد في مصر ولا تروح فين. فذهب إلي الكويت! > وتصدير الغاز لإسرائيل ؟ - مبارك كان يتصور أن تصدير الغاز لإسرائيل يضع في يده ورقة ضغط عليها, خاصة أن حجم الصادر منه يشكل20% من استهلاك إسرائيل. هو قال لي ذلك, لدرجة أنهم كانوا يفاخرون بهذه الخطوة وبهذا المنطق. ولا تنس أنه كان يتجنب كل ما يزعج أمريكا ويتحين الفرص لإرضائها من أجل التوريث > وحادثة سليمان خاطر ؟ - انتحر, لم تكن حادثة قتل > وخالد سعيد ؟ - كنت الوحيد في مصر الذي كتب عنه, لدرجة أن حبيب العادلي استنكر مني ذلك. قال: إزاي يا مكرم تكتب الكلام ده, فقلت له: إزاي إنتو تعملوا كده. إزاي تضيعوا مؤسسة الشرطة لصالح ظابط مباحث و2 مخبرين! والحاصل أن العادلي تغير, كان يستجيب لأي طلب. كنت أستطيع إدخال من10 إلي12 واحد من أبناء الصحفيين كلية الشرطة, كل سنة, لكنهم بعد هذا الموقف امتنع عليهم أن يستقبلوا حتي تليفوناتي > وأراضي الدولة.. هل كان مبارك علي علم بالمافيا التي تديرها ؟ - لا بد أنه كان علي علم بها, لأن هذا الملف هو الذي خرب مصر. أراضي الدولة هي إللي خلت ثروة أحمد عز40 مليار. بعد أن كان هؤلاء مديونين. > أصهار مبارك, راسخ والجمال..هل كان لهم دور في توجيه القرار السياسي ؟ - المؤكد أن أعمالهم توسعت جدا. عيني شافت > إيه ؟ - اطلع وشوف بعد بوابات الهرم > ألم يكن لسان حال مبارك هو أنا مصر ومصر أنا ؟ - بشكل ما, والسادات وعبدالناصر بصورة أشد > والنكت.. هل كانت علي برنامج يومه ؟ - كان يحب النكت, ودائما ما كان يقول لنا: قعدتكم مملة, لا حد فيكم عارف نكتة ولا حكاية طريفة > ومن من رؤساء التحرير كان يتولي مهمة إضحاكه؟ - ممتاز القط كان أحيانا يقول له حاجات كويسة, ولما يلاقي فيها ما يستوجب الضحك, يضحك. وسمير رجب. كل واحد حسب ما عنده > وماذا تذكر من هذه النكت ؟ - واحد مرة قال له: إن صدام حسين وهو يتفقد الجنود, سأل أحد العساكر..إيش هادا ؟ فقال له: بندقيتي سيدي, فقال صدام: هذي ليست بندقيتك..هذي مرتك, هذي عرضك. وظل هكذا إلي أن سأل أحدهم نفس السؤال فقال له: هذي مرت مروان إللي قبلي مني سيدي. > ومن ممثله المفضل ؟ - كان معجبا بعادل إمام, وأنا كنت الواسطة بينهما. اقترحت علي عادل أن يذهب بفرقته المسرحية إلي أسيوط, فطلب مني تأمينه وكلمت عبدالحليم موسي ووعد بذلك, ولما عرف مبارك مني اتصل به وشكره > وماذا تعرف عن قتل الإمام المهدي وورود اسم مبارك كطرف فيه ؟ - ما أعرفه جيدا أن صادق المهدي كان يكره مبارك, لتصوره أن مبارك هو الذي كان يأخذ الطائرة ويضرب جزيرة أبا. > ماذا يبقي من مبارك وعبدالناصر ؟ - عبدالناصر أعطي الناس أملا لا يموت. عبقرية عبدالناصر أنه كان يدرك جوع المصريين للكرامة. وخيبة مبارك أنه لم يدرك ذلك, ففرط كثيرا في هذا الأمر > وأنت.. ألم تنقلب علي مبارك.. كنت تملأ الشاشات دفاعا عنه أثناء الثورة ؟ - كل ما حدث أنني خمنت ما قاله في خطابه, فظن الناس أنني كتبته. لكني لم أدافع..أنا قلت إن لكل رئيس حسناته وسيئاته, والأوفق لمصر أن يتنازل الرئيس عن سلطاته لنائبه ونبدأ مرحلة جديدة, بدلا من أن ندخل في متاهة. الثورات تفسد بالتدليل. وأنا لست ممن يغيرون جلدهم. نحن في النهاية صحف منشورة وأوراق مكتوبة وسوف يحاسبنا التاريخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق