الجمعة، 16 مارس 2012

البلكيمي‏..‏ ضحية إنسانيته‏!‏

يحتار المرء في توصيف السيد أنور البلكيمي نائب حزب النور بمجلس الشعب المستقيل من الحزب والمجلس معا‏,‏فهل هو مجرد مجرم كذب علي الناس عندما ادعي تعرضه لعدوان كسر أنفه واضطره إلي وضع الضمادات علي وجهه والذهاب إلي النيابة شاكيا. انور البلكيمي أم أنه ضحية تركيبة ثقافية محافظة ولدت لديه الشعور بإثم أن يكون الإنسان مبتهجا بالحياة, محبا للجمال, ملتمسا له في نفسه ولدي الأخرين؟. شعر الرجل بأنفه كبيرا نوعا ما إلي درجة لم تكن تريحه بالتأكيد منذ وقت طويل, ولكنه الآن صار نائبا برلمانيا يعرفه الناس, ويجالسه المسئولون, ويلتقيه الأجانب والعرب فضلا عن المصريين, ولذا ازداد شعوره بالحرج من كبر أنفه, ونمت حاجته إلي تجميله, ليكون أكثر جاذبية أو أقل نفورا عن ذي قبل. إنها حاجة إنسانية طبيعية, تكاد تكون فطرية, غير أن الطريق إليها هو ما يثير تحفظنا, إذ لا يمكن سلوك طريق الكذب( القبح) وصولا إلي الجمال, فالكذب ليس إلا نوعا من القبح يضاد الصدق, ولا يمكن أن يكون طريقا إلي بلوغ الجمال, ذلك أن الغاية الخيرة لابد لها من طريق خير, كما تؤكد جل الأديان وكل الفلسفات الأخلاقية. وهنا يطفر إلي الذهن سؤال مهم: لماذا اضطر البلكيمي إلي الكذب, وهو شخص وثق به حزبه فاختاره مرشحا, وتعاطف معه الناس فانتخبوه نائبا, يراقب الحكومة باسمهم, كيف تخونهم العين التي جعلوها رقيبة لهم علي حكومتهم؟. هل لأن تلك العين وقحة( تندب فيها رصاصة), عريقة في الكذب لا محالة, ومن ثم يكون صاحبها مجرما يستحق الإدانة؟ أم لأنها عين قليلة الخبرة, لشخص شديد الحياء وقع أسيرا لأفكار بالية, خانته معها شجاعته الأدبية فوقع أسيرا للكذب؟. المؤكد أن حساسية الرجل الشديدة التي دفعته للاستقالة أو علي الأقل استجابته السريعة لطلب حزبه( النور السلفي) في الاستقالة من الحزب والبرلمان, هي حساسية لا تتوافر يقينا عند محترف للكذب, يفترض أن تكون دفوعه عن نفسه جاهزة ولو غير مقنعة, وقدرته علي الجدل حاضرة وإن كانت غير مجدية, أما وأن ذلك لم يحدث فالأغلب أن الرجل غير محترف للكذب وأنه ضحية ضعفه الإنساني, وأفكاره المحافظة التي تربط الإيمان( ولابد أنه رجل متدين) برفض الحياة, وتفترض أن يكون المؤمن قديسا يتعالي علي مطالب النفس والجسد, ليكمل إيمانه, وهو فهم خاطيء( غير إسلامي) بالمرة, فالدين الحنيف يدرك تماما طبيعتنا الإنسانية, وشريعتنا الإسلامية منزلة بمقياس المؤمن( العادي) لا تدعو إلي الرهبنة, ولا تشرع للزهد بل تدعونا للجمع بين مطالب الجسد والروح, الدين والدنيا, في توازن شديد يدفعنا للاعتراف بحاجاتنا, وعدم التسامي علي طبائعنا غير المتسامية شريطة أن يتم ذلك في( النور), أي في ضوء الحقيقة بدلا من أن يكون علي حسابها, وهذا ما أهمله البلكيمي, فقد اعتدي علي الحقيقة وسلك طريق الكذب لنيل رغبة هي في الأصل مشروعة, لا يؤثمها دين أو شريعة ولكن ينكرها فهم ضيق لذلك الدين وإدراك منغلق لتلك الشريعة. وهكذا تصلح واقعة أنف البلكيمي نموذجا رائقا للتعميم علي قضايا عديدة تخص فهمنا للإسلام, وخصوصا لدي التيار الذي ينتمي الرجل إليه: من قبيل علاقة الدين بالدولة, والظاهر بالباطن, واللباس بالقلب. ففي تلك القضايا وغيرها يتوجب علينا أن نرتقي إلي الفهم العميق لديننا الحنيف, وأن نركن إلي التوازن والإعتدال المرتبطين بالفطرة الإنسانية, وأن نبعد كل البعد عن التطرف المدفوع بمثاليات متوهمة لا تطيقها الفطرة الإنسانية, فإذا ما أهملنا تلك الفطرة وعولنا علي هذه الأوهام, سرعان ما وقعنا ضحايا لطبائعنا, أسري للكذب والنفاق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق