الجمعة، 17 يونيو 2011

بريد الجمعة - بريد الجمعة يكتبة: خيري رمضان زواج علي الطريقة الأمريكية

بريد الجمعة - بريد الجمعة يكتبة: خيري رمضان زواج علي الطريقة الأمريكية

طرة الحقيقة والسراب



انه لمن السذاجة أن يعتقد أو يتخيل البعض أن نزلاء سجن مزرعة طره من رموز النظام السابق متمثلين فى أبرز وزراء حكومة نظيف وقيادات الحزب الوطنى ونجلى الرئيس المخلوع  يعاملون نفس معاملة أقرانهم من السجناء فى نفس السجن أو فى أى سجن آخر ، فقد كنت أعتقد بأنهم فى محبسهم سوف يشعرون بما كان يشعر به المواطن المصرى البسيط والفقير من قصر ذات اليد وقلة امكانيات وتدنى فى مستوى المعيشه ، وكان يراودنى تخيل بأنه مع حرارة جو الصيف أن أحداً منهم يمسك بورقة كرتون ليهوى بها لنفسه أو أن تنقطع عليهم الكهرباء فجأة ليجدوا أنفسهم قليلى الحيلة أو أن تنقطع المياه لبضع ساعات يذقون فيها طعم المر والعذاب 
إلا ان كل ذلك يعد من درب الخيال وحقيقة الوضع داخل السجن طبقاً لروايات طقم الحراسة والمراسلين الصحفيين تقول بأن ادارة السجن حولت كثير من مكاتب الضباط الى دورات مياه على أعلى مستوى وتم تركيب أكثر من 20 جهاز تكييف داخل الزنازين والطعام اليومى يأتيهم من مطاعم الخمس نجوم إلا أن البعض منهم يطلب طعاماً خصيصاً بعينه ويتوافر لديهم جميع أنواع الأتصال بالعالم الخارجى من تليفزيون وجرائد وموبايل ولاب توب والزيارات غير مقيده بوقت معين ويقوم على راحتهم مجموعة من الضباط وعلى خدمتهم بعض من السجناء ليتحول السجن فجأة الى سجن فايف ستارز يعمل الجميع فيه على راحة كبار نجوم هذا السجن والحياه بالنسبة لهم لا ينقصها سوى العيش مع ذويهم وارتداء البدل السينيه ولا أستبعد أن يتم مد البحر اليهم ليقضوا مصيف هادىء فى جو من الاستجمام !
أعلم جيداً بأن النظام السابق كان من أعتى الأنظمة الظالمة والفاسدة فى العالم وليس سهلاً عليهم وضعهم الحالى وليس هيناً عليهم بعد العزة والغرور والكبرياء كسرة النفس والعين والذل ويكفى قيد الحرية الا أن المساواة فى الظلم عدل واذا لم تتم المساواه فى الميزات لجميع السجناء سيكون ذلك بمثابة دعوة ضمنية للخارجين عن القانون والفاسدين لسرقة ونهب الملايين والمليارات حتى يجدوا لأنفسهم مكاناً ينعموا فيه بهذه المميزات ،  فكنا قد استبشرنا خيراً بإنقضاء عهد مضى من محسوبيات ووساطه وأشخاص فوق القانون لعهد جديد مشرق لا يوجد فيه احد فوق القانون إلا انه على ما يبدو لم يتحقق ذلك بالقدر المطلوب ولم تتحقق حتى الأن العدالة التى قامت من أجلها ونادت بها الثورة واذا كانت قد نجحت تحت مسمى ثورة ضد الفساد فنحن فى حاجة إلى ثورة ضد المحسوبيات والرشاوى وثورة ضد الفقر والغلاء وثورة ضد البلطجة والانفلات الأمنى لعل الأمر مسألة وقت ويحدث ذلك فى القريب العاجل ان شاء الله .
المصدر : هانى العنبرى

المشهد السياسي - مصادرة 45 مليون دولار واصول بقيمة 14 مليون ومنتجع سياحي كبير لحسين سالم بأسبانيا

المشهد السياسي - مصادرة 45 مليون دولار واصول بقيمة 14 مليون ومنتجع سياحي كبير لحسين سالم بأسبانيا

طرة الحقيقة والسراب



انه لمن السذاجة أن يعتقد أو يتخيل البعض أن نزلاء سجن مزرعة طره من رموز النظام السابق متمثلين فى أبرز وزراء حكومة نظيف وقيادات الحزب الوطنى ونجلى الرئيس المخلوع  يعاملون نفس معاملة أقرانهم من السجناء فى نفس السجن أو فى أى سجن آخر ، فقد كنت أعتقد بأنهم فى محبسهم سوف يشعرون بما كان يشعر به المواطن المصرى البسيط والفقير من قصر ذات اليد وقلة امكانيات وتدنى فى مستوى المعيشه ، وكان يراودنى تخيل بأنه مع حرارة جو الصيف أن أحداً منهم يمسك بورقة كرتون ليهوى بها لنفسه أو أن تنقطع عليهم الكهرباء فجأة ليجدوا أنفسهم قليلى الحيلة أو أن تنقطع المياه لبضع ساعات يذقون فيها طعم المر والعذاب 
إلا ان كل ذلك يعد من درب الخيال وحقيقة الوضع داخل السجن طبقاً لروايات طقم الحراسة والمراسلين الصحفيين تقول بأن ادارة السجن حولت كثير من مكاتب الضباط الى دورات مياه على أعلى مستوى وتم تركيب أكثر من 20 جهاز تكييف داخل الزنازين والطعام اليومى يأتيهم من مطاعم الخمس نجوم إلا أن البعض منهم يطلب طعاماً خصيصاً بعينه ويتوافر لديهم جميع أنواع الأتصال بالعالم الخارجى من تليفزيون وجرائد وموبايل ولاب توب والزيارات غير مقيده بوقت معين ويقوم على راحتهم مجموعة من الضباط وعلى خدمتهم بعض من السجناء ليتحول السجن فجأة الى سجن فايف ستارز يعمل الجميع فيه على راحة كبار نجوم هذا السجن والحياه بالنسبة لهم لا ينقصها سوى العيش مع ذويهم وارتداء البدل السينيه ولا أستبعد أن يتم مد البحر اليهم ليقضوا مصيف هادىء فى جو من الاستجمام !
أعلم جيداً بأن النظام السابق كان من أعتى الأنظمة الظالمة والفاسدة فى العالم وليس سهلاً عليهم وضعهم الحالى وليس هيناً عليهم بعد العزة والغرور والكبرياء كسرة النفس والعين والذل ويكفى قيد الحرية الا أن المساواة فى الظلم عدل واذا لم تتم المساواه فى الميزات لجميع السجناء سيكون ذلك بمثابة دعوة ضمنية للخارجين عن القانون والفاسدين لسرقة ونهب الملايين والمليارات حتى يجدوا لأنفسهم مكاناً ينعموا فيه بهذه المميزات ،  فكنا قد استبشرنا خيراً بإنقضاء عهد مضى من محسوبيات ووساطه وأشخاص فوق القانون لعهد جديد مشرق لا يوجد فيه احد فوق القانون إلا انه على ما يبدو لم يتحقق ذلك بالقدر المطلوب ولم تتحقق حتى الأن العدالة التى قامت من أجلها ونادت بها الثورة واذا كانت قد نجحت تحت مسمى ثورة ضد الفساد فنحن فى حاجة إلى ثورة ضد المحسوبيات والرشاوى وثورة ضد الفقر والغلاء وثورة ضد البلطجة والانفلات الأمنى لعل الأمر مسألة وقت ويحدث ذلك فى القريب العاجل ان شاء الله .
المصدر : هانى العنبرى

حوار مع الثوار

حوار مع الثوار

أوباما يكرم المصري خالد خليفة ويهنئه على الثورة

أوباما يكرم المصري خالد خليفة ويهنئه على الثورة

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

الثورات الشعبية في العالم العربي .. رؤية شرعية




د. محمد المصلح *

   كشفت الثورات الشعبية العربية المتتابعة الراهنة بدءا من الثورة الشعبية التونسية الباسلة.. ظاهرة جديدة في المشهد العربي ملفتة ومبشرة للغاية.. تتمثل هذه الظاهرة في كون هذه الثورات في الأصل ما هي إلا انتفاضات شبابية تمتاز بمجموعة من الصفات المشتركة المبهرة والتي هي ــــ في تقديرنا ــــ سر قوتها وفاعليتها، رغم وجود فروق فيما بين هذه الثورات يميز بعضها عن بعض.. من أبرز تلك الصفات المشتركة التي تمتاز بها هذه الثورات: أنها في الأساس حركات شبابية مستقلة وراقية، وذات روح معنوية عالية ومتقدة، وتتبنى استراتيجيات جديدة وفاعلة، وبعقلية حرة وواعية بامتياز.
إن هذه الظاهرة لجديرة بالدراسة المعمقة حيث إنها ذات دلالات كبيرة تستوجب التوقف عندها وتحليلها واستخلاص النتائج والدروس والعبر منها، ومن ثم إعادة مراجعة قراءة كامل المشهد العربي بتحولاته المتسارعة ومستقبله القريب والبعيد ومن جميع جوانبه في ضوء تلك النتائج، بما في ذلك مراجعة النظرة التقليدية السائدة عن شبابنا بشكل خاص وعن الشعوب العربية بشكل عام.
ومن المفارقة الملفتة في هذا السياق، والتي تستدعي الأسف الشديد في ذات الوقت، أن كثيرا من مواقف الرموز والنخب الدينية والفكرية والمجتمعية ــ والتي يفترض في الأصل أن تقوم بالتشجيع والتوجيه والترشيد والتنظير والإسناد والتأييد لشباب الثورات ومسيراتهم المباركة ــ لا ترقى ألبتة إلى مستوى تلك المواصفات الحيوية التي جسدها شباب الثورات الراهنة في مسيراتهم.. بل الأدهى من ذلك والأمرّ؛ أن من بين مواقف هؤلاء الرموز ما قد يُربك بعض أولئك الشباب ومناصريهم، ويضعف من معنوياتهم، ويشوّش عليهم مسيراتهم.. الأمر الذي قد يُنذر بأن تؤتى هذه الثورات من مثل تلك المواقف بأكثر مما قد تؤتى من المواجهات المباشرة لها من قبل النظم التي يثورون ضدها.
هذه المفارقة المؤسفة تفرض على كل صاحب قلم حر ومتجرد أن يسند الثورات الشعبية العربية الراهنة بكل ما أوتي من حجة وبيان، وينتصر لها، ويصد عنها أي تشويش قد يربكها أو يهدد مستقبلها.. وهذه محاولة لتقديم سند شرعي سياسي لهذه الثورات.
التكييف الشرعي للثورات الشعبية الراهنة
يُجمع شباب الانتفاضات الشعبية العربية على أن الهدف الأساس لانتفاضاتهم ما هو إلا إسقاط النظم الحاكمة المستبدة والمتفرعنة والفاسدة والمستذلة لشعوبها، وذلك عبر الثورة الشاملة ضد تلك النظم.. كما يجمعون على أنهم ما ثاروا إلا لاسترجاع حرية الشعوب وكرامتها التي سحقتها النظم المستكبرة والجائرة سحقا طوال تاريخ هذه النظم القمعية التي امتدت لعقود.. والمطلب هذا مطلب إنساني يوحّد كل الثوّار الأحرار ومناصريهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والسياسية، وذلك ما تعكسه بوضوح شعارات هذه الثورات ومسيراتها.. والإجماع على هذا المطلب هو ــــ كما نعتقد ــــ من أهم مكامن القوة والأمل والاستبشار بالثورات الراهنة.
فما التكييف الشرعي لهذا المطلب السامي؟ وما التكييف الشرعي لتحقيقه عبر الثورة؟
التكييف الشرعي لهذا المطلب هو أنه من أولويات الدين الحنيف، بل هو متطلب سابق لإقامة الدين؛ حيث إن الدين لا يمكن أن يقام في مجتمع مسحوق ومهدور الكرامة وفاقد للحرية.. وهذا سر اشتمال القرآن المكي ــ مع تركيزه على بناء العقيدة ــ على آيات تتعلق بكرامة الإنسان وحريته وحقوقه الأساسية كإنسان، من مثل قول الله تعالى: "وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت"، مما يدل على أن احترام النفس البشرية والمحافظة على كرامة الإنسان وتحقيق حريته يقترن في القرآن مع أولويات الدين نفسه (1).. ويعضد ذلك اهتمام القرآن الملفت بقصة مواجهة موسى وهارون عليهما السلام لفرعون الطاغية الظالم المستكبر المتألّه، وتحقيقهما لإرادة الله في تخليص شعب مصر المستضعف حينذاك من استعباد فرعون لكامل الشعب؛ وهي عبرة لكل شعب مستضعف يواجه الشخصية الفرعونية المتكررة عبر التاريخ (2).
كما أن الدين الحنيف يتوق إلى نصرة المظلوم كمبدأ عام، أيا كان هذا المظلوم، ويحث أتباعه أن يقفوا مع كل دعوة أو حركة ضد الظالمين أيا كانوا.. فهذا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول عن حلف الفضول الذي تعاهد فيه عشائر من قريش قبل الإسلام على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، ويقفوا ضد من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته: "لقد حضرتُ في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبُّ لو أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت".. وهذا الموقف القيمي المبدئي من رسول الإسلام عليه السلام له دلالاته القوية في هذا السياق.
ثم إن قيام الشباب بهذه الحركات الشجاعة في سبيل تحقيق هذا المطلب السامي يدل على تعافي أولئك الشباب من داء الوهن الذي أصاب الأمة في مرحلتها الغثائية التي حذّر منها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (3). فقد كسر هؤلاء الشباب جدار الخوف، ورُبط على قلوبهم فقاموا في وجه الظالمين، وثبتوا على موقفهم ثباتا مشهودا رغم كل محاولات التشويش عليهم، والبطش بهم، والالتفاف على حركاتهم.. والثبات على هذا الموقف هو من أهم عوامل النجاح في الثورات.
أما التكييف الشرعي للثورة كوسيلة لتحقيق هذا المطلب المشروع، فيمكن تحديده في النقاط المركزة التالية:
1.    الثورة وسيلة فعّالة متاحة للشعوب المستضعفة للتصدي للنظم المستكبرة والمستعبدة للشعوب.. والثورة بذلك تكون سببا في تحقيق إرادة الله في التمكين للمستضعفين وقطع دابر المستكبرين؛ "ونريد أن نمن على اللذين استُضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونُمكّن لهم في الأرض..." (4).
2.    الثورة وسيلة فعّالة متاحة للشعوب لتغيير منكر عظيم، ألا وهو الظلم والاستبداد، والذي تترتب عليه مناكر كبيرة كثيرة ومستمرة طوال تاريخ النظم المستبدة المراد إسقاطها.. وهذا واجب عيني على كل فرد من أفراد الشعوب كل بحسب استطاعته، للحديث: "من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (5).
بل إن الثورة تكاد تكون الوسيلة الفعّالة الوحيدة المتاحة للشعوب لتحقيق مطلبها المشروع، ولاسيما بعد أن فشلت الوسائل الأخرى في تغيير هذه النظم أو إصلاح ما أفسدته، وبعد أن عجزت أحزاب المعارضة في تحقيق الإصلاح المنشود من خلال الأدوات السياسية الأخرى المعهودة؛ نظرا لاستخدام النظم المستبدة لطرق ملتوية للحيلولة دون تحقيق هذه الأحزاب لأهدافها.. بالإضافة إلى أن النظم تستند ــ في حال استقرارها ــ إلى قوى الاستكبار العالمي المهيمنة على الأمة ضد أي حراك إصلاحي نوعي وفق الآليات المعهودة.
3.    الثورة وسيلة فعّالة متاحة للشعوب لمواجهة الحكام الجائرين بكلمة الحق، ولأمرهم ونهيهم، وتأطيرهم على الحق أطرا.. وهذا يعد من فروض الكفاية التي ما لم يقم بها البعض بشكل واف لا يسقط الإثم عن المجتمع بكامله.. بل إن هذا من أفضل الجهاد، لحديث: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (6) ، والتفريط فيه يُنذر بعقاب للمجتمع بأسره، وبفتنة كبرى تعمه، للحديث: "لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم" (7) ، أي كما لعن بني إسرائيل.. ومن لم ينكر على الحكام الظلمة بأي شكل من الأشكال فهو آثم، لحديث: "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" (8). والذي يموت في سبيل تحقيق هذا الفرض الكفائي يستحق رتبة "سيد الشهداء"، كما وعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث: "سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (9).
والثورة بلا شك أوقع وأقوى وأجدى من المواجهات الفردية للحاكم المستبد الجائر، ذلك أنه في حال المواجهات الفردية يسهل على الحاكم الظالم أن يبطش ويقمع وينكّل بمن ينهاه عن الظلم، أو يسفه به ولا يلقي له بالا، ومن ثم يستمر في ظلمه، ولا يرتدع، ويصر على طغيانه، أما في حال الثورة الشعبية فإنه يصعب عليه البطش بالشعب كله، ولاسيما حينما تنجح الثورة في كسب الرأي العام العالمي.
4.    الثورة وسيلة فعّالة متاحة للشعوب للدفاع عن أعراضها وأموالها من النظم الفاسدة التي تنتهك فيها الأعراض، ويعتدى فيها على الحرمات، وتستباح فيها الممتلكات، وينهب فيها المال العام نهبا.. ومما تقرره الشريعة أن الدفاع عن الأعراض والأموال حق مشروع، والذين يموتون وهم يدافعون عن أعراضهم أو أموالهم فهم شهداء، لحديث: "من مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد" (10).  
شبهة ورد
إنه لمن المستغرب بحق، بل من المستنكر جدا، في ضوء التكييف الشرعي السابق، أن تصدر أقوال منسوبة إلى رموز شرعية أو إلى مؤسسات دينية تصف هذه الثورات بأنها دعوات للفتنة، وأن الفتاوى والتصريحات التي تحث على الاستمرار في الثورات هي دعوات للفتنة كذلك!! ومن العجب أن تتطابق أقوال هؤلاء إلى حد كبير مع ما تطلقه النظم الفاسدة والجائرة نفسها من أوصاف على الثورات ضدها!!.. وبلا شك فإن هذه الأقوال مردودة وباطلة.. ذلك أن الفتنة لا تطلق على حال ــ كالحال في الثورات الشعبية العربية الراهنة ــ يتميز فيه الحق من الباطل، والظالمون عن المظلومين بشكل لا لبس فيه.. إذ في هذا الحال يكون هناك موقفان لا ثالث لهما:
1.    إما الوقوف مع الحق ومناصرة المظلومين على قدر الاستطاعة.. وهذا هو الواجب.
2.    وإما اتباع الباطل والركون إلى الظالمين.. وهذا هو المحظور.
فهنا؛ لا يوجد موقف محايد، فالحياد يكون بلا ريب لصالح الباطل والنظم الظالمة.. والحياد هنا يعد نوعا من السكوت عن الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس.. كما أنه نوع من الخذلان للمظلومين الذي جاء فيه الوعيد "لعن الله من رأى مظلوما فلم ينصره‏" (11)، "ولأنتقمنَّ ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل" (12).. وهو كذلك نوع من الركون إلى الظالمين الذي جاء فيه الوعيد الشديد "ولا تركنوا إلى اللذين ظلموا فتمسكم النار" (13).
ولو سلمنا جدلا بأن في الثورة فتنة؛ فإن في بقاء النظم المستبدة الجائرة فتنة أشد وأفحش وأدوم كما سبق وبيناه.. ولا سيما وأن هذه النظم فاسدة إلى النخاع وخائنة لشعوبها وأمتها وفاقدة للشرعية في الأصل حيث إنها لم تأت بإرادة حقيقية من الشعوب.. وهنا تنطبق القاعدة: "تدرأ المفسدة الأشد بارتكاب المفسدة الأقل".
وفي الحقيقة أن وصف الثورة بأنها فتنة، فيه تعام مستهجن عن الفتنة الكبرى المتحققة بالفعل ببقاء النظم المستبدة الجائرة، والمفاسد الكثيرة المترتبة عليه.. ونسبة هذا الموقف من الثورة إلى الدين فيه جناية كبرى على الدين، وتنفير شديد منه، ومن رموزه.
البعد الاستراتيجي للثورة
نقطة الارتكاز الاستراتيجية في الثورات الشبابية الراهنة هي الإصرار الملفت في كل ثورة على إسقاط النظام الفاسد المستبد، واعتبار ذلك هو الهدف الاستراتيجي للثورة الذي لا محيد عنه. وهناك ثبات مشهود على هذا الموقف في كل ثورة من قبل شباب الثورة بالأخص، رغم كل محاولات الالتفاف على الثورات وإفسادها من قبل زبانية هذه النظم وأقطابها ومرتزقيها والمتنفعين من بقائها وفسادها.
ومن الإنصاف أن نسجل هنا ما نلحظه من تفوق نوعي ــ ومبشر أيضا ــ لموقف شباب الثورات في هذا الصدد تحديدا على كثير من مواقف رموز المعارضة بشكل خاص والنخب بشكل عام.. فنحن نلحظ بإعجاب واستبشار أن هؤلاء الشباب يُلحّون على هذا الهدف الاستراتيجي منذ اندلاع كل ثورة، ويركزون عليه، ولا يقبلون المساومة عليه، ولا ينخدعون بأي محاولة لإشغالهم عن تحقيقه، ويرفضون أي حوار مع أي طرف قبل تحقيق هدفهم الاستراتيجي هذا.. ولا يؤثر في موقف الشباب هذا أي من التغييرات الجزئية والشكلية التي تقوم بها النظم تحت شعار ظاهره الإصلاح التدريجي وباطنه محاولة الالتفاف على الثورات واحتوائها.
بل إن هؤلاء الشباب لا يقرون أساسا بشرعية النظم المستبدة الفاسدة، ولا أي من أقطابها، ولا مؤسساتها، ولا يحتكمون إلى الدساتير التي أسقطت الثورات شرعيتها.. فهم لا يستندون إلا إلى الشرعية الثورية.. وهذا يجعل مواقفهم متسقة.
أما مواقف كثير من رموز المعارضة والنخب فلا تخلو من اضطراب، بل وتتعارض مع روح الثورات؛ ذلك أنهم ما زالوا يفكرون بالعقلية التقليدية الهرمة فيما يبدو.. ويتخذون بعض المواقف المستنزفة للوقت والجهد بلا طائل، بل تعود سلبا على مسيرات الثورات.. وما الموقف من الحوار مع عمر سليمان على سبيل المثال ــ والذي هو أحد أقطاب النظام المصري المستبد الفاسد، وهو الرجل المفضل للعدو الصهيوني كبديل عن الرئيس المخلوع الموالي لهم ــ عنا ببعيد.. وبمثل هذه المواقف المضطربة والمشوشة؛ لا يرقى هؤلاء الرموز ــــ وللأسف ــــ إلى مستوى البعد الاستراتيجي للثورات الراهنة، فضلا عن أن يمثلونها.
نصائح للحفاظ على مكتسبات الثورة
هذه المفارقة بين مواقف شباب الثورات المتسقة والواعية ومواقف كثير من الرموز المضطربة والمنذرة بإرباك الثورات تجعلنا نوصي بما يلي:
1.    ضرورة أن تبقى حركات الشباب الثورية مستقلة، وألا يقبلوا وصاية عليهم، أو تمثيلا لهم من خارجهم ممن لم يتمثل روح الثورة، أو ممن يريدون أن يركبوا الموجة ويحققوا مآرب شخصية خاصة، أو ممن "يُحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا".
2.    ضرورة التركيز على البعد الاستراتيجي في الثورات، والإسراع في تبني استراتيجيات فعّالة لمرحلة الحسم فيها وتحقيق الهدف الاستراتيجي للثورات، ألا وهو إسقاط النظم الفاسدة بشكل كامل، وتفويت أي محاولة لاغتيال الثورات، أو الالتفاف عليها.
3.    ضرورة أن تبقى الثورات بقيادة الشباب إلى أن تنتهي مرحلة الحسم ويتحقق الهدف الاستراتيجي.. فلكل مرحلة رجالها.
4.    ضرورة التخلي عن منطق المعارضة المؤطرة بأيدلوجيات وأجندات حزبية، إذ لم يعد هذا المنطق ملائما للمرحلة، ويتعارض مع ثقافة الثورة، ومنطق الثورة الذي يقوم على أساس بناء جديد بالكامل يسهم فيه كل الشعب في جو من الحرية الكاملة، ولاسيما وأن شرعية المعارضة الأيدلوجية ترتكز على وجود النظام الذي تعارضه، فحينما يسقط النظام بالثورة الشعبية غير المؤدلجة لا تبقى للمعارضة الأيدلوجية أي شرعية بعد ذلك لعدم بقاء النظام الذي تعارضه.
5.    ضرورة أن تصطف أحزاب المعارضة وراء شباب الثورات في سبيل تحقيق الهدف الاستراتيجي لها المجمع عليه، وتخلع ثيابها وأجنداتها وأيدلوجياتها المميزة لها عن غيرها من أفراد الشعب، وتترك لشباب الثورات أمر القيادة في هذه المرحلة، إن كانت صادقة في تغليب مصلحة أوطانهم على كل شيء.
6.    ضرورة تركيز وسائل الإعلام الحرة على إبراز مواقف الشباب الذين يمثلون الثورة، تجنبا لإرباكها بسبب مواقف غيرهم الذين لا يتمثلون روح الثورة.
7.    ضرورة الحذر الشديد من اقتطاف ثمرات الثورات من قبل أصحاب أجندات لا تحقق مصالح الشعوب المتوافق عليها، كما اقتطفت ثمرات حركات التحرر من الاستعمار عبر التاريخ.. والحكيم من يعتبر بالتاريخ.
8.    ضرورة إيجاد كيان فعّال مستقل يوحّد الثوار، وينسق جهودهم، ويحافظ على مكاسب ثورتهم، ويرسم الاستراتيجيات والخطط المناسبة لكل مرحلة من مراحل الثورة.
 _________

والله كفاك عصيانا.... يا نفس كفاك عصيانا - مُنْتَدَى أَنَا مُسْلِمَةٌ

والله كفاك عصيانا.... يا نفس كفاك عصيانا - مُنْتَدَى أَنَا مُسْلِمَةٌ

كتابات مصراوي – مفـاجأة .. الزوجات المصـريات الاكثـر وحشيـة علي مستوي العالم

كتابات مصراوي – مفـاجأة .. الزوجات المصـريات الاكثـر وحشيـة علي مستوي العالم

كتابات مصراوي – إحساس بين الكلمات

كتابات مصراوي – إحساس بين الكلمات

الأربعاء، 8 يونيو 2011

الحلقة الثانية من سلسلة الإعداد القرآنى لرمضان

الحلقة الثانية من سلسلة الإعداد القرآنى لرمضان

سورة البقرة

سورة البقرة هى أطول سورة على الإطلاق فى كتاب الله العزيز و هذا الطول يسبب للبعض عدم وضوح فى رؤية موضوع السورة و يكون التأثر بها جزئيا عند الكثيرين دون فهم الأهداف المجملة و الوحدة الموضوعية لهذه السورة العظيمة
و قد كان هذا سببا فى تطاول بعض المستشرقين على كتاب الله زعما منهم أن السورة فاقدة للترابط وأن هذا ليس من البلاغة عياذا بالله . و لبئس ما قالوا فهو لا يدل إلا على الجهل المطبق و النظر القاصر لكتاب الله
فسورة البقرة و لله الحمد و المنة من أوضح السور بفضل الله موضوعا و أهدافا لكن هذا لا يظهر إلا لمن بسط نظره و بدأ يحلل التقسيم البديع لموضوعات هذه السورة ثم يربطه بميعاد و ظروف نزول هذه السورة الكريمة
إن سورة البقرة نزلت فى أول العهد المدنى بعد هجرة النبى أى فى مطلع تأسيس أول دولة فى تاريخ المسلمين وسط مجموعة كبيرة من المتغيرات و الإختلافات بين عناصر هذا المجتمع الوليد
هذا المجتمع الذى كان يتكون من عناصر شتى بعضها شديد التناقض بل يصل إلى حد التنافر و التعادى أحيانا ما بين مسلمين و مشركين لا يزالون على كفرهم و وثنيتهم و يهود استوطنوا المدينة و تشابكت فيها مصالحهم منذ عشرات السنين كل ذلك جنبا إلى جنب مع الصنف الجديد الذى بدأ لأول مرة فى الظهور فى هذا المجتمع الناشىء
الصنف الذى اختار أن يظهر خلاف ما يبطن حرصا على مصالحه و مقامه فى هذا المجتمع
هذا الصنف الجديد هم المنافقون
و مع هذا الخليط الغير متجانس بل المتنافر المتصارع أحيانا يأتى التحدى الأصعب الذى تمر به أى دولة وليدة و هو رسم الإطار و النسق الذى ستسير عليه هذه الدولة و إن شئت فقل بمصطلحات عصرنا الدستور الذى سيحترمه و يسير عليه أبناء هذه الدولة الجديدة على اختلاف مشاربهم
فى ظل هذه الظروف الصعبة و التحديات المقلقة نزلت هذه السورة لترسم للمسلمين الخط الذى سيسيرون عليه و تضع لهم الأسس التى سيبنون عليها دولتهم لكن بركيزة أساسية لابد لكل مجتمع وليد أن يرسخها فى ضمير أتباعه
هذه الركيزة هنا و الأصل الأكبر الذى ترسخه سورة البقرة هو
الإسلام لله عز وجل
فكما لابد لكل مجتمع أن يسوده قانون يتحاكم إليه أفراده و يرضون به و يرضخون لسيادته _فيما يعرف اليوم بسيادة القانون_ كان لابد للمجتمع المسلم أن يرسخ لديه هذا الأصل فيسلم كله لسيادة القانون لكنه هنا القانون الإلهى أو حكم الله الذى يجب أن يستسلم أفراد المجتمع الوليد لأمره و نهيه طوعا فيما يعرف اصطلاحا بالإسلام لله (و هو الإستسلام طوعا لمراد الله)
سورة البقرة ببساطة تضعنا أمام خيار من ثلاثة .
تُتبين هذه الخيارات من خلال الثلاث قصص الرئيسية التى تطرحها سورة البقرة و التى اختار أبطال كل قصة خيارا منهم
ثم تضع السورة المجتمع المسلم فى جزئها الثانى أمام عدد من الإختبارات تتمثل فى تشريعات رئيسية و أحكام هامة عرضتها السورة و تختم بأصعب هذه الإختبارات ليسأل كل واحد منا نفسه بعدها هل سأجاوز الإختبار و أختار الإختيار الصحيح أم الأخرى عياذا بالله
و لفهم هذ المضمون المجمل نعرض بإيجاز تحليلا لعناصر السورة و مراحلها
فسورة البقرة باختصار شديد عبارة عن:
•مقدمة تصنيفية ذكر الله فيها الأصناف التى بيناها كلها و التى يتكون منها المجتمع المدنى (المؤمنون – الكافرون – المنافقون – اليهود) و هى من الآية الأولى إلى الآية 29
•الجزء القصصى و الذى احتوى ثلاث قصص رئيسية كما بينا و هى
1) قصة سيدنا آدم عليه السلام
2) قصة بنى إسرائيل بطولها
3) قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
•جزء الأحكام و التكاليف الشرعية
•خاتمة و ابتلاء أخير
و إذا نظرنا للقصص الثلاث لوجدنا أنها تشاركت فى وقوع التكليف عليها ثم تباينت ردود الأفعال تجاه هذا التكليف
فنجد فى قصة آدم الطاعة التى شابتها معصية لأمر الله بسبب زلة من الشيطان ثم مسارعة فى العودة و التوبة
" فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
و نجد فى قصة بنى إسرائيل العصيان المطلق و التمرد المستمر و ما أكثر الشواهد من السورة على ذلك
•وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
•ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ {} فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
•أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
•} وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
•فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ
•وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
كل هذه الآيات و غيرها تبين لدى مدى العصيان و التمرد الذى وصلوا إليه و الذى تمثل جليا فى قصة البقرة و التى سميت السورة بإسمها و التى هى نموذج حى للتركيبة المتمردة الرافضة للاستسلام و الانقياد لشرع الله و يتضح هذا فى أول كلمة ردوا بها على نبيهم الذى رأوا الآيات مه حين أخبرهم أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة فماذا كان الرد من هؤلاء المتمردين؟
" قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ "
ثم يستمر الجدال و التعنت و التشديد و تعقيد أمر يسير وواضح فتارة يسألون عن ماهية البقرة و تارة عن لونها و تارة عن صفاتها و كل هذا التعنت لا لشىء إلا لما بينه الله من حقيقة فى قوله " فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ"
فحقيقتهم أنهم يرفضون حكم الله عليهم و شعارهم الذى أعلنوه – سمعنا و عصينا- و هو شعار التزموا به و استمسكوا بأهدابه حتى الرمق الأخير فما تركوا أمرا من أوامر الله إلا واجهوه بهذا العصيان المقيت حتى ما كان فى مصلحتهم (
"وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {2/58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ"
فالمغفرة لو قالوا الكلمة التى علمهم إياها الله - حطة – فقالوا حنطة و دخلوا القرية يزحفون على إستاههم"مؤخراتهم" أعزكم الله بدلا من الدخول سجدا كما أمروا فما أقبح تمردهم و ما أبعدهم عن الإسلام لله عز و جل

أما فى قصة إبراهيم عليه السلام فنجد النقيض تماما و نلمس تمام الإسلام و الخضوع المطلق لأمر الله مهما كان صعبا على النفس
و تأمل حين وصف الله حاله أمام الاختبارات المتتالية من أوامر و نواهى
"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ"
فلقد أتم إبراهيم عليه السلام كل إجابة لكل اختبار و على أكمل وجه حتى ما كان منها مستحيلا على غيره كذبح ولده و تركه مع امه قبل ذلك بسنين فى العراء لا لشىء إلا لأن الله أمره بهذا
إن لم يكن هذا هو تمام الإسلام لله فما إذا
"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ "
و بعد الإسلام ما كلًّ و ما ملًّ و ما ذل فتارة يكسر أصنام قومه و تارة يصبر على إلقاء فى النار و تارة يهاجر من بلد إلا بلد و يجوب مشارق الأرض و مغاربها قابضا على دينه
لسان حاله ثابت لا يتبدل أمام كل أمر :سمعا و طاعة لمولاى
هاجر فى الله. سمعا و طاعة لمولاى
اترك ولدك و امرأتك فى الصحراء .سمعا و طاعة لمولاى
اذبح ولدك .سمعا وطاعة لمولاى
إبن البيت . سمعا و طاعة لمولاى
أذن فى الناس بالحج لتسمع الدنيا (و بدون و سائل اتصال أو مكبرات ) و الإجابة واحدة لا تتبدل سمعا و طاعة لمولاى
حتى وهو ابن الثمانين عاما يأمره الله بالختان فيختتن بالقدوم و دون أدنى مناقشة
و يوصى أبناءه بالدوام على هذا الحال من الإستسلام الطوعى لرب العالمين
"وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "
و يوصى بها أبناؤه أبناءهم و يتكرر الأمر بالإسلام لله
" أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"
" ثم توجه الوصية للنبى و أمته وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {} فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {} صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ"
بعد هذه النماذج الثلاث يأتى ما يزيد عن جزء كامل من الاختبارات الموجهة للأمة الوليدة و القوانين و التشريعات و الأوامر و النواهى التى تسير دينهم و دنياهم
فتأتى أحكام العبادات (كالصلاة و القبلة و الصيام و الحج و الإنفاق )و تأتى أحكام المعاملات الداخلية ( كالزواج و الطلاق و الرضاع و الوصية و الربا و المداينة و الرهن ) و المعاملات الخارجية ( كأحكام الجهاد و الأشهر الحرم ) و بعض القوانين و الحدود ( كالقصاص و تحريم الخمر و الميسر و طائفة من أحكام الحلال و الحرام)
هذه الأحكام بخلاف أنها دستور و تشريع سيقوم عليه المجتمع الجديد بالمدينة على أساس واضح من العدل فإنها ابتلاء للأمة فى قضية الإسلام لله
و كأن السورة توجه سؤالا للجماعة المسلمة بعد أن عرض عليها نماذج من ابتلوا من قبلها و استخلفوا فى الأرض ابتداءا بآدم و انتهاءا ببنى إسرائيل
بعدما رأيتم هذه النماذج الثلاث أيهم تختارون ؟
السؤال الذى يجب على كل منا أن يسأله لنفسه و هو يعرض حاله على أحكام سورة البقرة و غيرها من أحكام الشرع الحنيف
هل أنا مسلم مستسلم لأمر الله كإبراهيم لاأحيد قيد أنملة
أو كآدم أزل مرة و أعصى لكن أسارع بالتوبة و لا أكابر
أم النموذج المخيف الذى فصله ربنا تفصيلا طويلا لبيان خطورته. و للأسف لأنه النموذج الذى سيقع فيه الكثيرون ممن يرفضون حكم الله و يتمردون عليه و يسلكون سبيل المغضوب عليهم و لسان حالهم كشياطينهم (سمعنا و عصينا)
ثم توجه السورة رسالة أخيرة باختبار شديد و ابتلاء صعب حين أنزل الله قوله "لله مافي السماوات والأرض وإن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير". حاول الصحابة العمل بها و تطبيقها. ومعنى الأية أن كل خواطر الإنسان الخفية والأعمال الظاهرة يحاسب عليها. فمثلاً إذا رأى الإنسان مالاً وخطر له سرقته ولكن لم يسرقه فالله يحاسبه أنه سارق. أو رأى امرأة وخطر في باله الزنى ولم يفعله فهو زان و هذا مقتضى ظاهر الآية و أول ما تبادر إلى أذهان الصحابة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، ثُمَّ قَالُوا : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ، بَلْ قُولُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، قَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا قَرَأَهَا الْقَوْمُ وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أثْرِهَا : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، قَالَ : نَعَمْ
رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ : نَعَمْ
رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قَالَ : نَعَمْ
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، قَالَ : نَعَمْ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ و فى رواية قال قد فعلت
هذا الأثر يلخص موضوع السورة بإيجاز فهاهنا أمر قد يتنافى مع هواك و يطرأ إلى فهم المرء و يسارع إلى عقله أنه يستحيل تنفيذه أو أنه غير مناسب لكن مع ذلك المطلوب منه أن يسلم ...يستسلم ..يسمع و يطيع
و لا شك أنه لضعفه قد يزل و يخطىء و هذه طبيعته لذلك يشفع سمعنا و أطعنا ب غفرانك ربنا و إليك المصير فأنا أقبل الأمر يا رب و لا أتمرد أو أعصى لكننى أطلب المغفرة لتقصير وارد و غير مقصود
هذا هو المبدأ الذى ينبغى أن يكون لدى المسلم القناعة الكاملة به و كما قال العلماء المسلم لا يقول لم أمرنا و لكن بم أمرنا لينفذ و يسمع و يطيع
و لذلك لما اختار الصحابة الخيار الصحيح نزل التخفيف من الله الرحيم فبين أن الإنسان مكلف بما كسب أو اكتسب و نسخت الآية و زال الابتلاء
فشعار السورة الأوضح و توصيتها الأساسية "سمعنا و أطعنا" أو الإسلام المطلق و الإذعان الكامل لشرع الله و القبول به حتى و إن حدث التقصير أو الزلل فأصل الإنقياد و القبول يزين المؤمن و يجعله أهلا للقب الذى يحمله . مسلم
هذا و ما كان من توفيق فمن الله و ما كان من زلل فمنى و من الشيطان و الله و رسوله منه براء و إلى لقاء فى القريب العاجل إن شاء الله مع سورة آل عمران
و كتبه

الفقير لعفو ربه

محمد على يوسف

فى الثامن من يونيو 2011

لتفسير الموضوعى للقران 1

بما أنه لم يتبق إلا ستون يوما على رمضان (أسأل الله أن يبلغنا إياه) فتعالوا بنا نبدأ حملة التجهيز القلبى و الإيمانى لهذا الشهر العظيم و ليس من شىء نجهز به أنفسنا أعظم من القرآن الذى هو أعظم ما يميز رمضا جنبا الى جنب مع الصيام
و بما ان رمضان شهر مدارسة القرآن فستكون حملة التجهيز القرآنى عبارة عن مشاركة يومية أكتبها عن موضوع كل سورة من سور القرآن بداية بالفاتحة إلى ما تيسر من السور
نجمل فيها موضوع السورة و سبب أو اسباب نزولها إن وجدت مع الأهداف الرئيسية لها و ذكر الملابسات من السيرة التى صاحبت نزول السورة إن توفرت من مصادرها لنعيش كل يوم فى أجواء سورة من سور القرآن
الجانب الثانى من الحملة خاص باخوانى المشاركين فى الصفحة و هو يتلخص فى المشاركة بما تأثروا به من السورة (بعد قراءتها طبعا) فيذكروا أكثر الآيات التى مست شغاف قلوبهم و غيرت من حياتهم من السورة المذكورة و يا حبذا لو أفادونا بشىء من كلام المفسرين و العلماء الذين تكلموا فى السورة و ذلك ليتم النفع و نكون بدأنا فعليا مدارسة كتاب الله و تفهم معانيه فندخل رمضان بقلوب حية متصلة بكلام المولى عز و جل
كما سنرفق فى الردود روابط المواد الصوتية للتفسير الموضوعى لسور القرآن من سلسلة الطريق إلى القرآن للدكتور حازم و سلسلة فى صحبة القرآن للعبد الفقير
هيا يا شباب فلتعلوا الهمم و لنشمر جميعا و كما قال الله و لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة أقول لكم و لو أردنا رمضان لأعددنا له عدة . و الله الموفق و المستعان
الحلقة الأولى من حملة الاعداد القرآنى لرمضان "سورة الفاتحة"

التفسير الموضوعى لسورة الفاتحة

قبل البدأ فى التفسير الموضوعى و العرض المجمل لأهداف و معانى سورة الفاتحة لابد لنا من وقفة سريعة مع فضائل هذه السورة و التى تعد من أكثر السور التى أثنى عليها النبى و فضلها على غيرها بل فضلها الرب العلى و ميزها بقوله "و لقد آتيناك سبعا من المثانى و القرآن العظيم" فعلى قول جمهور المفسرين السبع المثانى هى الفاتحة فهى فى كفة و باقى القرآن فى كفة أخرى كيف لا و هى السورة التى جمعت أعظم المعانى التى وردت فى الكتب السابقة بل ما أوتى نبى مثلها كما فى حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته" رواه مسلم
بل هى الأعظم فى كتاب الله
فعن أبي سعيد بن المعلى قال مر بي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت فقال: ما منعك أن تأتي، فقلت: كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُول، ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخرج من المسجد فذكَّرته فقال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. و في رواية :أفضل سورة في القرآن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب فقال يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي فلم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال يا رسول الله إني كنت في الصلاة قال فلم تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى ولا أعود إن شاء الله قال أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقرأ في الصلاة قال فقرأ أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته . متفق عليه
و أخرج الحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم في مسير فنزل و نزل رجل إلى جانبه قال : فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ألا أخبرك بأفضل القرآن قال : فتلا عليه { الحمد لله رب العالمين }
و هى مكان الإنجيل كما فى حديث واثلة بن الأسقع:"أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ومكان الزبور المئين ومكان الإنجيل المثاني و فضلت بالمفصل"
و من أعظم ما يدل على فضلها على سائر القرآن الإسم الذى خصها به النبى فعن أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج - ثلاثا - غير تمام ». فقيل لأبى هريرة إنا نكون وراء الإمام. فقال اقرأ بها فى نفسك فإنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « قال الله تعالى قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل فإذا قال العبد ( الحمد لله رب العالمين ). قال الله تعالى حمدنى عبدى وإذا قال (الرحمن الرحيم ). قال الله تعالى أثنى على عبدى. وإذا قال (مالك يوم الدين). قال مجدنى عبدى - وقال مرة فوض إلى عبدى - فإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين ). قال هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. فإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ). قال هذا لعبدى ولعبدى ما سأل ». رواه مسلم
و لنتأمل سويا قول المولى فى الحديث القدسى السابق "قسمت الصلاة " ثم لم يذكر بعدها إلا آيات من الفاتحة فكنى بالصلاة عن الفاتحة كأنها هى الصلاة
كيف لا؟و هى الصلة بين العبد و ربه و فى قراءتها يكون الكلام بين العبد و مولاه يسمعه العابد بقلبه فى الدنيا و تسمو روحه عند استشعار الرد و ربه يرد عليه و يقول حمدنى عبدى و أثنى على عبدى و مجدنى عبدى
مغبون مسكين من لم يجد بهذه المشاعر و الصلة الروحية بينه و بين بارئه
و لذا استحق من تركها أن يقول عنه النبى "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب"
لأنه لم يتصل بربه و يكلمه و يرد ربه عليه
و لذا فهى ركن على الراجح لا تصح الصلاة التى هى عمود هذا الدين بدونها و هنا لفتة مهمة فهى بذلك أكثر السور فى معدل القراءة اليومية فرضا لا نفلا فالمسلم الملتزم بدينه الذى لا يفرط فى صلاته يقرأها فى يومه و ليلته على الأقل سبعة عشر مرة و قد تزيد عشرات المرات إن كان من أهل التنفل
و لابد هنا أن نسأل أنفسنا سؤالا ندلف منه إلى موضوع السورة
لماذا هذه السورة بالذات لها هذا المعدل العالى من القراءة ؟
لم فرض الله عليك أن تقرأها و تتأمل و تتدبر معانيها سبعة عشر مرة يوميا؟
لابد أن هناك معنى أو معان يحتاج كل مسلم أن يتذكرها الفينة بعد الفينة
ذهب جمهور الذين حاولوا الإجابة على هذا السؤال إلى أن هذا المعنى و الموضوع المحورى الذى تدور عنه السورة هو الدعاء الذى يتوسطها
أعظم و أخطر دعاء يحتاج المرء أن يدعو به ربه كل لحظة
سورة الفاتحة باختصار شديد عبارة عن دعاء سبقه ثناء
هكذا ببساطة؟
نعم . لكنه ليس أى دعاء و ليس أى ثناء
إنه دعاء بالهداية . الهداية التى من دونها الضلال عياذا بالله
لكى تعلم خطورة هذا الدعاء و أهميته لابد أن تعلم خطورة الشىء الذى تحتاج أن تهدى خلاله
إنه الصراط.
الصراط المستقيم فى الدنيا و الآخرة
هذا الطريق الصعب المحفوف بالمخاطر فى الدارين
ففى الدنيا حف هذا الصراط بالمكاره و الشهوات و ا لشبهات و امتلأ بالمزلات و الفخاخ و تربص بك فيه الأعداء من كل جانب خارجك و داخلك
و ما أوضح المثل الذى ضربه النبى لذلك الطريق حين قال "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَىِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِى عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِى مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِى قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ».
و هذا الحديث يوضح المخاطر التى تحيط بهذا الطريق و الأعداء الذين يحاولون التأثير عليه ليلج الفتن و الشهوات و الشبهات و قد لا يستطيع الخروج منها فيكون ممن اتبع السبل كما قال المولى جل و علا "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا الأسود بن عامر : شاذان ، حدثنا أبو بكر - هو ابن عياش - عن عاصم عن أبي وائل ، عن عبد الله - هو ابن مسعود ، رضي الله عنه - قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما " وخط على يمينه وشماله ، ثم قال : " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
فطريق محفوف بالمهالك ممتلىء بالأعداء من شياطين الإنس و الجن و من قبلهم النفس الأمارة بالسوء حرى بالمرء أن يتأهب فيه و يهاب سلوكه بغير معين لذا تأتى الدعوة من قلب مفتقر و عقل يعى خطورة الأمر فيجأر بها كل لحظة لمن يستطيع إعانته على وعورته و يقول "إهدنا الصراط المستقيم"
أما فى الآخرة فالأمر أخطر و الصعوبة أشد فصراط الآخرة كما وصفه النبى دحض مزلة فيه خطاطيف و كلاليب و حسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوس على وجهه في النار ] خرجاه في الصحيحين و في رواية لمسلم قال أبو سعيد الخدري بلغني أن الجسر أدق من الشعر و أحد من السيف
فيمره المؤمن كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و كأجاويد الخيل و الركاب و في رواية للبخاري [ حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ]
لكن كيف يوفق للمرور عليه بهذه السرعة و بسلام و هو بهذه الحدة و الخطورة ؟ لا شىء إلا أن ينجيه الله فيتذكر المؤمن ذلك فيدعو بحرقة أشد و بافتقار أكبر "إهدنا الصراط المستقيم"
لذلك نستطيع أن نقول أن هذا أهم دعاء يحتاج المسلم اأن يدعو به فى الدنيا لينجو فى الدنيا و الآخرة كيف لا و هو من دون ذلك ضال لا محالة لقول الله فى الحديث القدسى " كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم"
لكن لهذا الصراط الذى تطلب الهداية فيه خصائص و صفات تطلبها كذلك فى الفاتحة فهو طريق يعرف بسالكيه و ليس قفرا أنت أول من يسلكه
بل سلكه قبلك أناس زكاهم مولاك و تركوا لك آثارا عليك أن تقصها و تلتمس الصراط المستقيم بها
و هم الذين أنعم الله عليهم .
و لك أن تسأل من هؤلاء الذين لشرفهم ميز الله الصراط بهم و طلب منك أن تقفو آثارهم؟
يجيبك مولاك " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً"
فهم القدوات و المتبعون من البشر الذين تسير على نهجهم
عليك أن تتذكرهم كلما قرأت الفاتحة و دعوت مولاك بهذا الدعاء
تتذكر أنك لست وحدك تسير إلى الله بل هم من قبلك سبقوك و كانوا لك خير سلف و عليك أن تكون لهم خير خلف
تتذكر أنك لست نبتا مجتثا لا أصل لك و إنما لك جذور و قواعد راسخة عليك أن تعتز بها و تهفو روحك إلى الاقتداء بها
و مع هذه الأصول فإن البعض يشتبه عليه الطريق و يلتبس و يخلطه بطرق أخرى شتان ما بينها و بينه بل قد يختار عامدا أن يسلك طريقا آخر ليس له و لا خير فيه و هو طريق المغضوب عليهم الذين علموا و لم يعملوا أو طريق الضالين الذين عملوا بجهل و ضلال و أبوا أن يتعلموا
يحذرك الله و يعلمك أن تتعوذ من طريقتهم و أن تتبرأمن سبيلهم التى سلكها و سيسلكها كثيرون كما أخبر الصادق المصدوق " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم
قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن ؟!!رواه البخارى
فكما علمت و عرفت الطريق بمن سلكوه من قبلك من المزكين لابد أن تعلم السبل الأخرى لتتقيها و بضدها تتمايز الأشياء فشتان بين طريق العلم و الهدى و النور و طريق الجهل و العصيان و التمرد و الظلمات
هكذا انتهى الدعاء الذى اشتمل على كل الخير فى الدنيا و الآخرة لكن ليس من الأدب أبدا مع مولاك أن تدخل عليه هكذا بغير مقدمات بغير تذلل و ثناء
فتبدأ الفاتحة بالثناء على الله و التذلل بكل أنواع التوحيد
تثنى عليه و تحمده و تقر له بربوبيته فتقول "الحمد لله رب العالمين"
و الحمد هو الثناء لكنه ثناء بحب
ثم تستمر فى الثناء بذكر أحب أسمائه و صفاته إليه فتقول "الرحمن الرحيم "
و هى الصفة التى بدأ بها خلقه و كتبها يوم خلقهم على عرشه"إن رحمتى سبقت غضبى"
ثم بعد أن بدأت بصفات الجمال تثنى و تمجد بصفات الجلال و أعظمها أن تقر أنه الملك المالك فهو يملكك و يملك الكون كله و هو الملك الحاكم له صاحب السلطان عليه "ألا له الخلق و الأمر" تقر بهذا الملك المستحق لملك الملوك سبحانه فتقول "مالك يوم الدين"
ثم بعد أن أقررت له بكل الثناء و المجد تكون النتيجة أنه وحده المستحق لعبادتك و لا شريك له فى ذلك فتقترب أكثر و تعاهده قائلا " إياك نعبد" ثم تتذكر ضعفك و تقصيرك و تخشى من تبعات هذا التقصير على ذلك العهد الذى قطعته للتو فتتبرأمن حولك و قوتك و تطلب المعونة منه وحده و تقول" و إياك نستعين"
ساعتها إن قلت ذلك و انت تعنيه و تقصده و لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تتوطد العلاقة أكثر فأكثر إلى مرحلة غير مسبوقة
إلى مرحلة يكون فيها أسرار بينك و بينه و هذا لا بكون إلا بين القريبين من بعضهم و ليس أرباب العلاقات السطحية
هذا السر يتضح فى قوله ردا على ما عاهدته به من إخلاص العبودية حين يقول المولى عز و جل "هذا بينى و بين عبدى "
فياله من شرف و ياله من مقام و صلت إليه بفضله و علمك كيف تصل إليه بمنه فله الحمد و المنة
بعد هذا الأدب و بعد هذا التمجيد لك الآن أن تسأل و تطلب و كلك رجاءا فى الإجابة بعد أن وعدك " و لعبدى ما سأل "
هذا و ما كان من توفيق فمن الله و حده و ما كان من زلل فمنى و من الشيطان و أبرأ ألى الله منه
و غدا بإذن الله مع سورة البقرة إن أحيانا الله

و كتبه

الفقير لعفو ربه

محمد على يوسف

الأحد، 5 يونيو 2011

الوقاية من الفتن

ملخص الخطبة
1- نعمة بعثة الرسول . 2- التحذير من الفتن. 3- تسارع الفتن. 4- سؤال الله العافية وضرورة أخذ الدروس والعبر. 5- أهمية مبدأ الوقاية. 6- شمول هذا المبدأ وعمومه. 7- سبب الغفلة والذهول عن الفتن. 8- ثبات بلاد الحرمين في الفتن. 9- متى الوقاية من الفتن؟ 10 محور مبدأ الوقاية.

الخطبة الأولى
أمّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، مِن رَحمةِ الله جَلّ وعلا عَلَى عِبادِه أَن بَعثَ رسولَ الهدَى شاهِدًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بِإذنِه وسراجًا مُنيرًا، ولقَد لَقِيَ صَلواتُ الله وسلامُه عليه خالقَه ومولاه وهو لم يدَع خَيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حَذَّر الأمَّةَ منه.
وإنَّ مما حذَّر منه أمتَه الفتنَ التي تكون آخرَ الزمن وتكاثُرها وترادُفَ حلقاتها، والغواسِق التي تُحيطُ بالناس والمُجتمعات من كل جانبٍ، فتمُوجُ بهم كمَوجِ البحر، وتقعُ القَوارِعُ في دارِهم أو قريبًا مِن دارِهم على حِين غِرَّةٍ لم تخطُر على بالِ آمِنٍ لاهٍ، ولم تلُحْ له في أُفُق؛ فتحِلُّ الفجأة، وتعظُم الدهشةُ والذهول؛ لهولِ الأحداث والمُستجدَّات وسرعتها، حتى يتلقَّاها السامعُ والمُشاهِد ولا يكادُ يُسيغُها إلا بشَرَق الرَّوْع؛ لأنها لم تدُر بخلَده أو تقع في ظنِّه أنَّ غِيَرًا وأحداثًا كونيةً واجتماعيةً وسياسيةً وفكريةً ستحلُّ فجأةً على وجهِ التسارُع والتدافُع.
وهذا ما يُذكِّرنا بما أخبرنا به المصطَفَى عن أشراطِ السَّاعةِ وقيامِها في سرعةٍ لم تخطُر على بالِ الأحياء إبَّانَها، كما جاء في "الصحيحين" أنَّ النبيَّ قال: ((لتقُومنَّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايَعانه ولا يطوِيانه، ولتقُومنَّ السّاعةُ وقد انصرفَ الرجلُ بلَبنِ لِقحَته فلا يطعمُه، ولتقُومنَّ الساعَة وهو يُليطُ حَوضَه فلا يسقِي منه، ولتقُومنَّ السّاعة وقد رفَع أكلَته إلى فِيه فلا يطعَمها)).
كلُّ ذلك -عباد الله- دليلٌ على سرعة وقوعِ الحدث وما يحمِلُه من مفاجآت، وأنَّ نفسًا لا تَدري ماذا تكسِب غدًا ولا بأيِّ أرضٍ تموت.
ألا وإنَّ تعاقُبَ الأحداث وترادُفها وطلبَ بعضها بعضًا طلبًا حثيثًا لهو من سِمات هذه البُرهة من الزمن الحاضِر الذي بلَغَت فيه الحضارةُ المادّية أوْجَها، والغليَانُ المعرفيّ والتِّقَنيُّ قمَّته، ويخلقُ الله ما لا تعلمون.
ولقد صار مِن سرعة الأحداثِ والمُدلهِمَّاتِ أن رياحَها لا تُتيحُ لأيِّ رمادٍ أن يجثِمَ مكانَه، ولا لأيِّ جمرةٍ أن ينطفِئَ وميضُها، فتتراكمُ التداعيات بعضُها على بَعضٍ ليخِرَّ سَقفُ الهدوء، وتُقبِلَ فُلولُ الطوارِق والمُفاجآت في عسعسةِ الليل أو تنفُّس الصبح.
غيرَ أنَّ هذا كلَّه لم يأتِ طَفرةً دونَ مُقدِّماتٍ أو مُسبِّبات، مع اتِّفاقنا جميعًا بأنَّ ساعةَ الحدوثِ تُعدُّ مفاجِئةً بسبَب شَرَر وَميض جمرٍ خِلَل الرَّماد، اشتدَّت به الريحُ في يومٍ عاصفٍ، فتطايَرَ شَرَره إلى قشٍّ يَباسٍ، فما هو إلا الضِّرام ما منه بُدٌّ، مع أن أصواتًا صادقةً وصَيحاتٍ ناصحةً قد سُمِعت، فلَم تلقَ رجعَ الصّدَى، ولم يستبِن السامعون ذلكم النُّصح إلا ضُحى الغد، ولاتَ حين مناص.
عبادَ الله، إنّنا في الوقتِ الذي يحمَدُ اللهَ فيه كلُّ مسلِم أو مجتمعٍ لم تنَلْه تلكمُ الأحداث والمُستجدَّات، ولم تحُلَّ بدارهم؛ يجبُ أن لا يبخَلوا على أنفسهم مِن سؤال اللهِ العافيةَ والسلامة، وأن لا تمُرَّ عليهم تلكم الخطوب دون أخذ الدروس والعِظَة والعِبرة؛ فالنبيُّ يقول: ((السَّعيدُ من وُعِظَ بِغيره، والشَّقيُّ من شقِيَ في بطن أمِّه)) رواه مسلم.
وإنَّ أحسنَ أحوالِ العِبرةِ والعِظة -عباد الله- ما كان مُتزامنًا مع سبَبها، لكونِ الاستعدادِ النفسيِّ أبلغَ في مُقابل قوة الحدث، وإلا وقع السهو والنسيان، وإذا لم يُغبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعدَ الوقوعِ غُبار، وحينئذٍ فإنَّ أيَّ قُربانٍ سيجيءُ مُتأخِّرًا فستأكله نيران الأحداث بِتغيُّظٍ وزفير.
كلُّ ذلك -عباد الله- لتكون العِبرة والعِظة داعيةً إلى الاستباق الآمِن من الوقوع في مثلها، أو بعبارة العصريّين: الوقاية خيرٌ من العلاج، أو ما يُسمَّى بـ"الأمن الوقائيّ"، أو بالعبارة الشرعيّة الأصيلة: "الدفع أولى من الرّفع"، فإنَّ مما يتفق عليه العُقلاء جميعًا أنَّ منعَ وقوع الشيءِ المكروهِ خيرٌ وأولى من رَفعِه بعد وقوعِه، وشريعتُنا الغرَّاء جاءت حاضَّةً على المُبادرةِ والمُسارعة بالأمورِ الدافعة للمكاره قبل أن تحلَّ بالمرء والمجتمع.
فمن ذلك قولُه تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 54]، ومنه قولُه سبحانَه: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام: 151]؛ فنهَى عن القُربِ منها؛ لأنَّ القُربَ سَببٌ في الوقوع، وهذا دليلٌ على وجوبِ الوقاية.
وقد جاء في السنة المطهَّرة ما يُؤكِّد هذا المعنى صراحةً؛ حيث قال النبيُّ : ((بادِروا بالأعمالِ فِتنًا كقِطع الليل المُظلِم، يُصبِحُ فيه الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمِنًا ويُصبِح كافرًا؛ يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا)) رواه مسلم، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناءَك قبلَ فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)) رواه الحاكم وغيره.
ومما يدلُّ أيضًا على رعايةِ الشريعة وحَضِّها للوقايةِ والمُبادرة والحَذر ما جاء من قول النبيِّ : ((لا يُورِد مُمرِضٌ على مُصِحّ)) رواه الشيخان، وعند مسلم في "صحيحه" أنّه كان في وفدِ ثقيف رجلٌ مجذوم، فأرسلَ إليه: ((أنِ ارجع؛ فقد بايعناك)). وفي ذلك دليلٌ -عباد الله- على الوقاية من جُذامه بالاكتفاء بالمُبايعة عن بُعدٍ دفعًا للعدوى.
إذا عُرِف ذلكم -عبادَ الله- فإن مبدأ "الوقاية خيرٌ من العلاج" مبدأٌ شاملٌ لكلّ شؤون الحياة، وإنّ من الخطأ الصريح قصرَه على المجال الصحيّ فحَسب؛ بل إنه يمتدّ إلى المجالِ الغذائيِ والعلميِ والفكريِ والإعلاميِ والاقتصاديِ والسياسيِ على حدٍّ سواء، وإنَّ الجهدَ الذي يُبذَل في الوقاية في ذلكم كلِّه ينبغي أن يكون أسبق، وأن ينالَ اهتمام جميع الفئات في المجتمع بِصورةٍ أكبَرَ ممّا يُبذَل في العلاجِ، وهنا مَكمنُ شعور كلّ فردٍ مسلم وإدراكه للعواقب والتوجُّس من المُدلهِمَّات.
وإذا كانت الشَّريعةُ الغرَّاءُ قد حضَّت على المُبادرة بالأعمال فإنَّ هذا التحضيض لم يكن قاصرًا على جهةٍ دون أخرى؛ بل إنه يشمل الفردَ والأسرة، والعامِّيَ والعالِم، والسياسيَّ والمُفكِّر، وأمثالهم ممّن هم صورةُ المجتمع وتكوينه؛ إذ منَ الخطأ قصرُه على جِهةٍ دون أخرى؛ كأن يُقصَر على القيادةِ فقط، أو العلماءِ فحسب؛ كلا، فلُحمة المجتمع والشّعور بالواجب تجاهَه مهمَّةُ الجميعِ، والحرصُ على حمايتِه من أيِّ داخلةٍ فيه انتماءٌ إيجابيّ يدلُّ على الأمانةِ الحقَّةِ في سبيلِ الاجتماع على الحقِّ والخير، والتعاوُنِ على البرِّ والتقوى، لا علَى الإثمِ والعدوان؛ ليتمَّ السيرُ بسفينةِ المجتمَع الماخِرةِ إلى برِّ الأمان بعد الخروجِ بها من ظُلماتِ البحرِ اللُّجِّي الذي يغشَاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ.
وبعد: يا رعاكم الله، فإنَّ ذهولَ الكثيرين منا تجاهَ ما يقَع في هذه الآونةِ من مُستجدَّاتٍ وغِيَرٍ لم يكن عائِدًا إلى تدنٍّ في مستوى ذكاءِ عموم المجتمعات، أو لِضعفٍ في آلياتِ الإنذار المُبكِّر بقدرِ ما كان سببَ إهمال مبدأ الوقاية وتوفير أسبابها واستِحضار حُكمها؛ لأنَّ الإفراطَ في الأمنِ منَ المُتغيِّرات هو مَكمنُ الخوفِ والخطَر، كما أنَّ الحذر المُفرِط أيضًا مَكمنٌ للجُمود والبَلادة وتأخُّر المسير. وخيرُ الأمورِ في ذلكم الوسَط، وقد قيل:
إن التوسُّط في الأمور سلامـــةٌ كي لا ضِرارَ ينالُ منك ولا ضَرَر
قد يُهلِكُ الإنسانَ أمنٌ مُفرِطٌ أو يعتَريــــه الســــوءُ من فرطِ الحذر
إنَّ عدمَ الوعيِ التامّ بقيمةِ الوقايةِ من قِبَل العمومِ ومدَى تقديرِهم لحجمِ وطبيعة مُتطلَّبات الوقاية لهُوَ سببُ تحمُّل وقوع الشيء، ومن ثَمَّ علاجُه، وكِلا الأمرين بُعدٌ عن الواقِع وبرودٌ في التّعامل مع المُتغيِّرات بما من شأنهِ دفعُ عجلة المُدلهِمَّات عن الوقوع، أو على أقلِّ تقديرٍ الإبطاءُ بها إلى حينِ وضعِ السياج الآمِن الذي يحمِي من خطر وقوعها إن هي وقعَت؛ فضلاً عن أنَّ الشعورَ بوجودِ عصًا سحريّة لديها الاستعداد على دفعِ كلِّ شيء إنما هو شعورٌ مُتولِّدٌ من لا شُعور؛ لأنَّ الفائدةَ من الوقاية هي التطلُّع إلى وضعٍ أفضَل، أو التخلُّص من وَضعٍ أسوأ؛ لأن أيَّ أحدٍ منَّا لن يَستطيع إصلاحِ عجلة الطائرة بعد إقلاعها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 53].
وبما أنَّ الشيءَ بالشيءِ يُذكَر فإنَّ هذه البلاد -حرسها الله- قد ضربَت مثلاً في الصلة والتلاحُم بين قيادتها وعلمائِها وأفرادِها، ووقفَت في خِضَمِّ الأحداثِ موقف المسؤوليّة والشعورِ بالخطر، فيما لو أهمَل كلّ واحدٍ منا مسؤوليته، فكان ذلك البيانُ الشافي من هيئة كبارِ العلماء في هذه البلادِ حرسها الله، وكانت تلكم القراراتُ المشهودة الصادرةُ عن وليِّ أمرنا حفظه الله، والتي أكَّد من خلالها أنَّ الشريعةَ الإسلامية هي قدَرُ هذه البلاد، وأكَّد من خلالها أيضًا مكانةَ العلماءِ وأثرَهم في المجتمَع بقيادتهم العلميّة الداعِمَة للقيادة السياسيّة، كما لامَسَت تلك القراراتُ احتياجات المجتمعِ والمواطنَ التي تفتقِرُ إلى إصلاحٍ وتجدُّد.
جعَل الله ذلك في ميزانِ الحسنات، ووفَّق هذه البلادَ قيادةً وعلماءَ وشَعبًا إلى البرِّ والتقوى، ووقاهم كلَّ سوءٍ وفتنة، ووقى جميعَ بلاد المسلمين شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن كان صوابًا فمِن الله، وإن كان خطأً فمن نفسِي والشيطان، وأستغفر الله إنَّه كان غفَّارًا.



الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آلهِ وأصحابِه ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فاعلموا -عبادَ الله- أنّنا إذا اتفقنا على ضرورةِ الأخذ بمبدأ الوقايةِ والإقرارِ به فإنَّ المشكلة حينئذٍ لن تكونَ في: كيف نقِي أنفسنا؟ وإنما هي في: متى نقِي أنفسنا ومجتمعنا؟ لأنه متى دبَّ في النفوسِ داءُ التسويف والتأجيلِ فإنَّ القابليَّة للمفاجآت والطوارقِ أشدُّ تواجُدًا، وإذا كانت المقولة المشهورة تقول: "لا تُؤجِّل عملَ اليوم إلى الغدِ"، فإنَّ لسانَ حال كثيرٍ من الناس يقول: "لا تُؤجِّل إلى الغد ما تستطيع أن تفعله بعد غدٍ"، وكأنَّ الدنيا -عباد الله- بلا صُروفٍ ولا غِيَر ولا قوارع، ولقد أحسن من قال:
مــا عند يومي ثقةٌ لي بغدِ لا بُدَّ من دار خلودِ الأبدِ
فحذارِ -عباد الله- أن يتسلَّلَ بعضُنا لِواذًا بداءِ التسويف في زمنٍ يتَحتَّمُ فيه العزمُ والعملُ على التهذيب والتربية على مبدأ الوقاية الذي ينقِل من السوء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن.
وإذا كانت الغايةُ نبيلةً فإنَّ مبدأ الوقاية سيكون محورُه العدلَ في جميع السُّبُل، فلا يمكن أن يتجاوزَ جمهورُ الناس في عمَلهم ما يُسمُّون به حقًّا للغير، وسيكون المصبُّ الأخير في القيمة المُطلقة التي تُؤلِّف بين أفرادِ المجتمع الواحدِ في منظومةٍ واحدةٍ يعمُّها مِعيارٌ واحد؛ ليُؤدِّيَ كلٌّ منهم عملَه لبقاءِ البِنْية الجامعة للمجتمع الواعي بلا فُتوق؛ كلٌّ في مجالِ عملِه وتخصُّصه وما انتهى إليه علمُه. فلا ينبغي أن يُطلَبَ من العين أن تبطِش وهي للإبصَار، ولا مِن الأذن أن تمشِي وهي للسَّمع، وإلا لأصبَحنا كمن يأكل المِلح ليدفَع به العطَش، أو يشرب الماء ليدفع به الجوعَ، أو يستنشق الغاز ليتنفَّس.
ألا وإنَّ لكل سفينةٍ ملاَّحًا، وإذا غَابَ ملاَّحُ السّفينة وارتمَت بها الريحُ يومًا دبَّرَتها الضّفادِع، وإنَّ أيَّ أمةٍ يكون الواقي والدافعُ فيها إنما هم بنوها من أفرادها إلى قادتها، ويكون كلُّ واحدٍ منهم آخِذًا بحقِّ الكلّ، لا يقصد مقصدًا بعكس مقصدِ السوادِ الأعظم، ولا غايةً تميلُ به عن غايَتهم، فهي الأمّة التي علا فيها التكامُل وحُسن الانتماءِ وتحقيقُ المصلحة المُشتركة التي يسعَى بذِمَّتهم فيها أدناهم، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115].
هذا، وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية...