الخميس، 17 مايو 2012

فراق الأحبة عمار علي حسن

كيف يمكن لربع قرن أن يضمَر ويصير خمسا وعشرين ثانية فقط؟ لماذا يرتجف جسدك حين تراها كأن السنين لم تمر، وكأنك لا تزال واقفا على عتبتها المبتلة بدموعك؟ حين تهل هى يمامة تمشى على مهل، يتراقص قلبك ويعلو وجيبه، وكأنها تتهادى فوق صفحته الطرية، وتغرس فيها بعض أشواك الرياحين التى تتساقط من يديها. ولماذا حين تهمس لك تنخطف وتتوه ويجرفك طوفان التتيم والوله والسرور؟ حين تجالسها لا تصدق أنك تحيا. يخمد جسدك عاجزا عن تحمل روحك، فتنطلق لتهيم وتمرح، وتشعر أن الدنيا جاءت لتنام فى قبضة يدك، وأن الفراديس قد سكنت عينيك لأنك تملأهما من وجهها الذى يطل على جرحك القديم. لماذا هى؟ هى فقط التى من حقها أن تحتلك، وتضع عن طيب خاطر إرادتك فى منديلها الوردى ثم تقول للناس: أنا السيد المطاع. سيد أنت لأنها تحبك، ومطاع لأنك ترى نفسك هى، وتقول لك هى بامتنان ورضا: أنا أنت. هذه الوحدة المتينة لم يستغرق إنجازها سوى ثوانٍ هى عمر وصول شعاع عينيك إلى عينيها خلسة.. لا أدرى لماذا إذن تتعثر الوحدة بين الأوطان والبلدان، مع أن امرأة نُحبها قد تكون هى السكن والوطن والبلد الذى يفتح ذراعيه للغريب. ألم ترَ وجهها يملأ كل هذا الفراغ الساكن فوق السحاب وأنت تنظر من الطائرة؟ يمرق معك ويمتد ليغطى كل البلاد التى تتعاقب وأنت عائد إلى وجعك وغربتك. وجه بمساحة دول استغرق بناؤها آلاف السنين. ولو أن الطائرة لفت الكرة الأرضية بأسرها، سيكون وجهها هو الكوكب الذى تسكنه آلاف الملايين من البشر، ولا عجب فى هذا، أليست هى كل الناس؟ لماذا هى فقط التى جلست كل هذه السنين تربى الكلام داخل أسوارك الواقفة لتمنع الزمن من أن يسرق الحروف، ثم تنتظر أن تفرج عنها حين تراها ولو مرة عابرة؟ ولماذا حين رأيتها مات الكلام على شفتيك؟ وحين صارعت عجزك وتكلمت بدت الحروف المعتقة باهتة ضحلة خفيفة لا تعبر أبدا عن كل ما راودك فى أحلام اليقظة، وكل ما عبر خاطرك فى يقظة الأحلام، وكل التهاويم التى ارتسمت فى رأسك وأنت بين النوم والصحو، وبين اليأس والرجاء. إنها آلاف الأسئلة التى غزت نفسك وراحت تنهشها بلا رحمة، وأنت واقف أمامها كشجرة عجوز ترفع كفيها للعاصفة، لتنادى يمامة ترفرف هناك فى البعيد الأزرق محاولة أن تحط بلا جدوى على تراب يطمر قدميك المتأهبتين للرحيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق