السبت، 30 أبريل 2011

خواطر الشيخ




الخاطرة الثانية
تبعة ثقيلة

حقاً  إنها تبعة ثقيلة  ولم لا ؟ وهى وظيفة الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله عز وجل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس  لتعبيد العباد لله وإخراجهم من الظلمات إلى النور
وامتَّن الله جل وعلا على لبنة تمامهم ومسك ختامهم محمد e فأبقى هذه الوظيفة الشريفة فى أمته من بعده إلى يوم القيامة  فورث علماءُ أمته هذه التركة الضخمة ، والمسئولية الكبيرة ، والشرف العظيم  شرف الدعوة إلى الله عز وجل
وفى الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود  tأن النبى  e قال : "ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تَخْلْفُ من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل"(1)  
فانطلق هؤلاء الحواريون والأصحاب ومن تبعهم بإحسان مقتفياً أثرهم سالكاً طريقهم انطلقوا براية الدعوة إلى الله عز وجل تاركين الديار والأوطان باذلين فى سبيلها المُهج والأرواح ولا هَّم لهم سوى إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربَّ العباد ، ومن جوَرِ الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، فأعز الله بهم الإسلام وارتفعت رايته على بلاد السند والهند والتركستان والصين وبلاد الروس شمالاً وقلب أوروبة  حتى قال "لين بول" فى كتابه "العرب فى أسبانيا" : " فكانت أوروبة الأمية تزخر بالجهل والحرمان بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم وراية الثقافة فى العالم"
وقد جسد لنا هذا المَّد العظيم والسلطان الكبير أحدُ خلفاء المسلمين الذى شوه الإعلام صورته وجعله رجل ليل وغناء ونساء ‍‍ - إنه هارون الرشيد رحمه الله تعالى الذى وقف يوماً ليخاطب السحابة فى كبد السماء ويقول لها: أيتها السحابة أمطرى حيث شئت ، فسوف يُحمل إلينا خراجك إن شاء الله ‍‍‍
ثم إنه خلف من بعدهم خلوف  خلدوا إلى الأرض  إلى الوحل والطين  عاشوا لأنفسهم وشهواتهم ونزواتهم ورغباتهم الحقيرة  عاشوا لكراسيهم الزائلة  عاشوا لعروشهم وفروجهم  فانحسر هذا المد المبارك بل وهانت الأمة  وضاعت هيبتها وزال سلطانها وولى مجدها ومسخت هويتها  بل واحتلت أرضها  وطمع فيها الضعيف قبل القوى والذليل قبل العزيز  والبعيد قبل القريب  وتكالبت عليها أممُ الأرض كما تتكالب الأكلة على قصعتها  وتحقق فيها قولُ من لا ينطق عن الهوى بأبى هو وأمى ما فى حديث ثوبان "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها ، قيل: يا رسول الله ‍ فمن قلة يومئذٍ ؟ قال: لا ولكنكم غُثاء كغثاء السيل ، يُجعل الوهن فى قلوبكم ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم لحُبَّكم الدنيا وكراهيتكم الموت"(1)
نعم  غثاء كغثاء السيل  لا وزن له ولا تأثير  مليار مسلم منهم الظالم لنفسه والمقتصد ومنهم السابق بالخيرات بإذن الله فى الوقت الذى يزيد فيه عدد الكفار على أربعة مليارات نسمة "حيث أن تعداد سكان العالم قد بلغ خمسة مليارات نسمة تقريباً طبقاً لبعض الإحصاءات الحديثة"(1)
فَمَنْ لهؤلاء ؟‍ من يدعوهم إلى الله عز وجل ؟‍ من يقيم عليهم حُجَّة الله فى الأرض؟‍ من يستنقذهم من عذاب الله فى الآخرة ؟‍‍‍! من يتحمل تبعة هؤلاء ؟! )لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل( ألم أقل لكم إنها تبعة ثقيلة !!
إنها تبعة تقصم الظهر وتخلع الفؤاد !!
إنها الأمانة الكبيرة الكبيرة  فإما أن نكون أهلاً لها بتأديتها وإبلاغها وإما أن نكون "خونة" بتضييعها ونسيانها!!
قال الله عز وجل: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً((2)
بل ويخاطب الله جلا وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم الذى أمره بالقيام    )قم فأنذر( فقام ولم يقعد حتى لقى الله عز وجل يخاطبه ربه بقوله سبحانه :  )قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أحد من دونه ملتحدا إلا بلاغاً من الله ورسالته(
"هذه هى القولة الرهيبة التى تملأ القلب بجدية هذا الأمر ، أمر الرسالة والدعوة ، والرسول e يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبرى ، إنى لن يجبرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملجئاً أو حماية إلا أن أبلغ هذا الأمر وأؤدى  يا للرهبة  ويا للروعة  ويا للجد، إن الدعوة ليست تطوعاً يتقدم بها صاحب الدعوة إنما هو التكليف الصارم الجازم الذى لا مفر من أدائه فالله من ورائه ، وإنها ليست اللذة الذاتية فى حمل الخير والهدى للناس ، إنما هو الأمر العلوى الذى لا يمكن التفلت منه ولا التردد فيه ، وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد إنها تكليف وواجب وراءه الهول ووراءه الجد ووراءه الكبير المتعال  وليعرف الدعاة أن أمامهم واجباً ثقيلاً لأنهم أتباع محمد e وهو حجة الله على الناس"(1)  
فالدعوة إلى الله عز وجل واجب هذه الأمة الخاتمة التى اختارها الله جل وعلا للقيادة بقوة وجدارة بما معها من الحق الذى قامت من أجله السموات والأرض وخلقت الجنة والنار وأنزل الكتب وأرسل الرسل !
"فالمسلم لم يُخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب البشرى حيث اتجه وسار ، بل خُلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة ، ويفرض على البشرية اتجاهه ، ويُملى عليها إرادته لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين ، ولأنه المسئول عن هذا العالم وسيره واتجاهه فليس مقامه مقام التقليد والاتباع ، ولكن مقامه مقام الإمامة والقيادة ، ومقام الإرشاد والتوجيه ، ومقام الآمر الناهى ، وإذا تنكر له الزمان ، وعصاه المجتمع ، وانحرف عن الجادة ، لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر ، بل عليه أن يثور عليه وينازله ويظل فى صراع معه وعراك حتى يقضى الله فى أمره "(2)  
فلابد إذن من الدعوة والبلاغ  ولقد دلت الأدلة على القرآن والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وأنها من أكرم الفرائض التى افترضها الله عز وجل على هذه الأمة المباركة ومن هذه الأدلة القرآنية:
قول الله عز وجل:  )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون((3)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى - : ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله فى الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأولئك هم المفلحون  وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه"(4)  
ومنها قول الله عز وجل : )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن((1)
ومنها قول الله عز وجل : )فادع واستقم كما أمرت((2)
ومنها قول الله عز وجل : )وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين((3)
ومنها قول الله عز وجل : )قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين((4)
يقول ابن القيم رحمه الله " فلا يكون الرجل من أتباعه حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه ويكون على بصيرة” (5)
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى - : "وإنما حازت الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثــــه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبى قبله ولا رسول من الرسل  فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه"(6) 
أما الأدلة النبوية فهى أيضاً كثيرة ومنها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: أن النبى e قال : "بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"(7) 
قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله تعالى - : "وقال فى الحديث "ولو آية" أى واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآى ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به  e(1)  هـ
قلت: سبحان الله !
فكم من المسلمين يحفظ مئات الآيات وعشرات الأحاديث ولكنه مضيع لأمر رسوله الذى يدل على الوجوب حيث لم تأت قرينة تصرفه من الوجوب إلى غيره نسأل الله السلامة والعافية
ومنها  حديث عبد الله بن مسعود  tقال: سمعت رسول الله  e يقول: "نضًّر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه فَرُبَّ مبلغ أحفظ من سامع"([1])  وفى رواية : "فرب مبلغ أوعى من سامع"
وفى خطبته يوم النحر قال e: " ليبلغ الشاهد الغائب فإنَ الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعَى له منه"([2])
وهكذا تظل هذه القاعدة الجليلة باقية خالدة ترن فى إذن الزمان والأيام ألا وهى ليبلغَ الشاهدَ الغائبَ
ومنها قول النبى e: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً"([3]) 
ومنها قوله لعلى بن أبى طالب  t: "فو الله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْم النَّعَم"([4])
سبحان الله ! يا له من فضل عظيم لا يتخلى عنه إلا عاجز محروم  كل طاعة لله عز وجل يقوم بها هذا الذى هداه الله على يديك يثقل بها ميزانك من حيث لا تدرى فى حياتك بل وبعد موتك ! هذا هو شرف الدعوة إلى الله عز وجل
وهكذا يتضح لنا من خلال الأدلة السابقة الموجزة حكم الدعوة إلى الله عز وجل
يقول شيخنا ابن باز حفظه الله تعالى - : "والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على حالين :
إحداهما : فرض عين
والثانية : فرض كفاية
فهى فرض عين عند عدم وجود من يقوم باللازم كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا كنت فى بلد أو قبيلة أو منطقة من المناطق ليس فيها من يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأنت عندك علم فإنه يجب عليك عيناً أن تقوم بالدعوة وترشد الناس إلى حق الله وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر  أما إذا وجد من يقوم بالدعوة ويبلغ الناس ويرشدهم فإنها تكون فى حق الباقين العارفين بالشرع سُنة لا فرضاً"([5])
ثم يبين الشيخ حفظه الله حكم الدعوة فى عصرنا الراهن فيقول: "ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهَّدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة ، وانتشار الدعوة النصرانية فى الكثير من البلدان وغير ذلك من الدعوات المضللة ، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام ، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا وأن لا يتقاعسوا عن ذلك فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والإشتراك والتكاتف فى هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ، ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصدَّ عن سبيل الله والتشكيك فى دينه ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامى ودعوة إسلامية على شتى المستويات وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة ، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله"([6])
ومع كل هذا نرى سلبيةً قاتلة عند الكثيرين انطلاقاً من فهم مغلوط مقلوب لقول الله عز وجل :  )يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم(([7])
وقد خشى الصديقُ  t من قبل هذه السلبية الناتجة عن هذا الفهم الخاطئ فقام فى الناس خطيباً ليوضح لهم المعنى الصحيح لهذه الآية الكريمة  فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية : )يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم( وإنكم تضعونها فى غير موضعها وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه"([8]) وفى رواية صحيحة أخرى قال: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"
فالواجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر حسب استطاعته وقدرته فإن لم يستجب له الناس فى هذه الحالة فلا ضير يلحقه من تقصير غيره إن شاء الله- لأنه حينئذٍ يكون قد أدى الواجب الذى عليه
ويعلق شيخ الإسلام وحسنة الأيام ابن تيمية على هذه الآية السابقة ويقول: "والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضُلال  وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد  فأما القلب فيجب بكل حال إذ لا ضرر فى فعله ومن لم يفعله فليس بمؤمن كما قال النبى e  : "وذلك أضعف الإيمان" وقال: "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" وقيل لابن مسعود  t مَنْ ميتُ الأحياء؟ فقال الذى لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً  وهنا يغلط فريقان من الناس: فريق يترك ما يجب من الأمر والنهى تأويلاً لهذه الآية(*) والفريق الثانى ، من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقاً من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح وما يقدر عليه وما لا يقدر عليه  فإن الأمر والنهى وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر فى المعارض له فإن كان الذى يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر  لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته  ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر وسعياً فى معصية الله ورسوله" ([9])اهـ
هذا بإيجاز هو حكم هذه التبعة الثقيلة وهذا الشرف الكبير فى آن  فلنكن أهلاً لهذه الأمانة الكبيرة  ولنتحرك جميعاً كل بحسب طاقاته وقدراته  فشتان شتان بين زهرة حية تنشر أريجها وتطيب المكان بريحها وعبيرها وبين زهرة صناعية لا تحمل من عالم الزهور إلاَّ اسمها !! ‍‍
وكأنى انظر الآن إلى صديق الأمة أبى بكر  tوهو يردد شهادة التوحيد بين يدى رسول الله e فى هدوء ويقين  دون تلعثم أو تردد ‍‍
وكيف يتلعثم الصديق صاحبُ القلب الحى الكبير أو يتردد وهو الذى ما فارق صاحبه الأمين سنواتٍ طوالاً  فلم يره كذب مرة أو خان أمانة أو أخلف وعـداً أو غدر عهداً قط ‍‍!!
بل ‍‍لقد ملأ شبابه ربوع وأرجاء مكة المكرمة شرفاً وطهراً وعفة وكرامة !!
فلم تأخذه عن الطهر نزوة ولم تنزله عن علياء العظمة دنية ولم تكن قريشُ مجاملةً له أو ممتنةٍ عليه يوم أن خلع عليه إجماعها فى بيت الله الحرام لقب "الأمين" يوم أن كادت الفتنة تعصف بأشرافها !!
فكيف يتردد أصحاب العقول النيرة والقلوب الحية الخيرة فى تصديق هذا الأمين الطاهر الذى فاضت طهارته على جميع العالمين  كيف يتعلثم الصديق  tفى تصديق صاحبه الأمين الذى لم يكذب على أهل الأرض قط ! فهل من الممكن أن يكذب على رب السماء والأرض ؟! مستحيل  ومن يومها  بعد أن شرح الله صدره للإسلام لم يهدأ له بال  ولم يقر له قرار ، بل لقد تحرك بهذا النور يدعو إلى الله عز وجل كل من يثق فى رجاحة عقولهم من أصحابه والمقربين إليه فإن الدعوة لا زالت فى طورها السرِّى- ولم يلبث إلا قليلا وقد عاد الصديق المبارك بخمسة من أشراف قريش ومن سادة الناس شرح الله صدورهم للإسلام بدعوة أبى بكر  tأتدرون من هم هؤلاء الأشراف الكرام؟
عثمان بن عفان  tوالزبير بن العوام  tوعبد الرحمن ابن عوف  t  وسعد بن أبى وقاص  tوطلحة بن عبيد الله  t
الله أكبر  هؤلاء الأعلام الأطهار مرة واحدة !  إنها أولى بركات الدعوة إلى الله عز وجل
فهيا أيها الأحباب لدين الله  لدعوة الله عز وجل  وإن ابتلينا وأوذينا وضُيق علينا  هيا لنسير على نفس الطريق الذى سار عليه من قبل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الأنبياء والمرسلين  هيا لنحوز هذا الشرف الكبير والفضل الجزيل  )ومن أحسن قولاً مما دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين(([10])  هيا لنعلن فى وجه الباطل الذى أعلن عن دعوته فى تبجح واستعلاء بل وفخر وخيلاء !!  فنعلن له دعوتنا فى عزة وإباء ونقول بملء أفواهنا هذه دعوتنا  دعوة الأنبياء والمرسلين دعوة لا تمالئ حاكماً ولا تنافق ظالماً ولا تتعايش مع كل قيم الباطل الزائفة !!
هيا لنتحرك جميعاً لدين الله عز وجل
أخاطبك أنت أيها الداعية الحبيب يا من يحترق قلبك على واقع أمتك الجريحة  أخاطبك لتنشط فى دعوتك  لتبذل أقصى الطاقة فى مهمتك  لتجعل الدعوة هَّمك بالليل والنهار  وفكرك فى النوم واليقظة  وشغلك بالسر والعلن
وأخاطبك أنت أيها المسلم الغيور يا من يعتصر قلبه حزناً على حال أمته التى هانت  اعلم أنك تتمنى أن لو كلفت بعمل أى شئ  فأصغ سمعك ، وأحضر ذهنك ، واستجمع همتك لتتعرف على دورك ومهمتك  لأن الدعوة إلى الله عز وجل بضوابطها الشرعية وقواعدها المرعية إن كانت مهمة الدعاة الذين توفرت لديهم الأهلية العلمية  فإن المسلم أيضاً له دعوة  فإن لم يكن بلسانك العذب الرقيق وبكلامك السهل البسيط فبسلوكك الإسلامى الكريم  فنحن الآن فى أمس الحاجة إلى أن نحول الإسلام إلى واقع إلى منهج حياة  بل إن أعظم وأجل خدمة نقدمها اليوم للإسلام هى أن ننتقل من صورة الإسلام إلى حقيقة الإسلام  خاصة ونحن نعيش زماناً أصبح يُحكم فيه على الإسلام كدين من خلال الواقع العملى المر للمسلمين !!
وإن كنت أخى المسلم الحبيب ممن رزقه الله مالاً فاجعل جزءاً من هـذه المال للدعوة  للمساهمة فى أعباء الدعاة والدعوة  بطبع كتاب  أو بإرسال بعض الدعاة المخلصين إلى أى بلدٍ من بلدان العالم للدعوة والبلاغ  فإن الأموال تنفق بسخاء رهيب على "المنصرين" فى جميع أنحاء العالم لتنشيطهم فى دعوتهم للصد عن سبيل الله فى الوقت الذى تنفق فيه الملايين من أموال المسلمين فى الباطل والحرام أو إن شئت فقل للصد أيضاً عن دين الله عز وجل !! فمن للدعوة  والدعاة إلى الحق ؟!
وأخيراً أخى الكريم - :

لا تحقرن من المعروف شيئاً                    فإن الجبال من الحصى

والله جل وعلا يقول : )فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره(([11])
والرسول e أخبرنا عن امرأة دخلت النار فى هرة وعن رجل دخل الجنة فى كلب!!
وأخاطُبكِ أنت أيتها الأخت المسلمة يا اصل العز والشرف والحياء  يا صانعة الأجيال  يا مُربية الرجال  يا من تربعتْ طيلة القرون الماضية على عرش حيائها تهز المهد بيمينها وتزلزل عروش الكفر بشمالها  يا من تصفعين كل يوم دعاة الباطل والكذب والفجور !!
يا دُرةً حفظت بالأمس غاليةً            واليومَ يبغونها للهو واللعب !

يا حْرةً قد أرادوا جعلها أمةً            غريبة العقل غريبة النسب !

أخاطبُكِ أختى الفاضلة محذراً ومذكراً  محذراً من المؤامرات التى تحاك للمرأة المسلمة فى الليل والنهار للزج بها فى المستنقع الأسن  مستنقع الرذيلة والعار بإغرائها دوماً وبكل السبل لإخراجها عن دائرة تعاليم دينها الذى جاء ليضمن لها الكرامة والسعادة فى الدنيا والآخرة
ومذكراً  بأنك درتنا المصونة  ولؤلؤتــنا المكنونة  والذى يعرف الإسلام  يعلم حقيقة مكانة المرأة المسلمة  وما هذه الضوابط الشرعية التى وضعها الإسلام للمرأة والتى يسميها أدعياء التقدم قيوداً وأغلالاً إلا حمايةً لك من عبث العابثين ومجون الماجنين وعويل ذئاب البشر الجائعين  وكيف لا ؟
وأنتِ الأم والبنت والأخت والزوجة !!
ووالله لا أعلم ديناً قد كرم المرأة كما كرمها الإسلام  وها هو القرآن يعلن فى إذن كل سامع وعقل كل مفكر هذه الحقيقة يقول الله سبحانه : )إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً(([12])
ويأتى الأمر من رسول الله e واضحاً لتكريم المرأة فيقول: "استوصوا بالنساء خيراً"([13])
وكثيرة هى الآيات والأحاديث فى هذا الباب وليس قصدى هو البسط ولكنه التذكير بمكانة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وما يجب عليها أن تؤديه  وإن أعظم خدمة تؤديها المسلمة لدينها فى هذه الأيام هى أن تتعرف جيداً على دينها وأن تعتز بإسلامها وأن تقول لربها ونبيها e ما قاله المؤمنون والمؤمنات من قبل: )سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير(  كما أن عليها واجباً عظيماً فى تعليم العلوم الشرعية التى تصحح بها عقيدتها وعبادتها وسلوكها وأخلاقها وإن منَّ الله عليها بالعلم الشرعى التى تصحح بها عقيدتها وعبادتها وسلوكها وأخلاقها وإن من الله عليها بالعلم الشرعى وجب عليها أيضاً حينئذٍ أن تعلم أخواتها وأن تأخذ بأيديهن إلى الحق والهدى  وأن تبين لهن ما يحيكه أعداء الإِسلام من مؤامرات فى الليل والنهار لإخراج المسلمة عن دينها !! أما عن رسالة الأمومة والتربية فلن أزيد على أن أقول: نريد أن تُخَّرجى لنا من جديد  خالد بن الوليد وصلاح الدين ومحمد الفاتح وابن تيمية وأحمد وغيرهم من المجاهدين الصادقين والعلماء والدعاة المخلصين([14])
فثقى بربك وأثبتــى لِعِــداكِ
والمؤمِناتُ صبرن قبـــِل لذاكِ
أسمى المواقف من ذوى الإشراك
عنهن تاريــخ العلا أنبـــاك
ويريهم السنن القويم ســواك ؟!
تاريخ مجــد كان للأتـــراك
كل الملــوك وكان فيـه علاك
وهوت لديه معاقــل الإشـراك
يحـتاج زاداً والتــقى هى ذاك
 
أختاه قد تلقــين ضيماً أو أذى
فالابتــلاءُ يزيد دينك قــوةَ
فلأم عمـــار وأم عمــارة
وكذلك أسمــاء وإن تستخبرى
أختاه من للنشء يصقل فكـرهم
يا بنت فاتح لقنيهم فى الصبــا
شهـدت به الدنيا وذل لسيفــه
أضحى به صرح الشريعة شامخاً
أختاه إن الدرب صعــب مجهد
 
وأخيراً:







فهيا لنتحرك جميعاً للدعوى إلى الله عز وجل فى الليل والنهار فى كل مكان  فى المسجد  فى البيت  فى المصنع  فى الشارع  فى المدرسة  فى السوق  فى المتجر  فى كل مكان  فنحن ركب سفينة واحدة  إن نجت نجونا جميعاً وإن غرقت غرقنا جميعاً  كما فى حديث النعمان بن بشير  tأن النبى e قال:
"مثلُ القائم على حدود الله والواقع كمثل قوم استهموا على سفينة فأصحب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مُّروا على من فوقهم فقالوا لو أن خرقنا فى نصيبنا خَرْقاً ولم نؤذِ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نَجَوا ونَجَوا جميعاً"([15]) 
ولكى نتحرك على بصيرة  تعالوا بنا لنتعرف على منهج أعظم دعاة عرفتهم البشرية  على منهج الأنبياء والرسل فى الدعوة إلى الله عز وجل 


خواطر علي طريق الدعوة الشيخ محمد حسان


الخاطرة الأولى
أسباب الخواطر

أسباب كثيرة دعتنى للحديث عن هذا الموضوع فى هذا التوقيت بالذات
الأول:
أن الأمة فى أمس الحاجة هذه الأيام إلى دُعاةٍ تتجمع عليهم القلوب وتتآلف حولهم النفوس  دعاةٍ ينطلقون من فهم صحيح ثابت لكتاب الله جل وعلا وسنة رسوله  e لتبصرة المسلمين بحقيقة دينهم من ناحية وتحذيرهم من المؤامرات التى تحُاك لهم فى الليل والنهار من ناحية أخرى  دعاةٍ يتحركون بدعوتهم خالصة لله جل وعلا وحده
لا يدعون إلى قومية أو حزبية أو عصبية
لا يدعون إلى مصلحة أو غنيمة أو هوى
لا يدعون إلى جماعة ويعادون الأخرى  فجماعتهم هى جماعة المسلمين  ومنهجهم هو القرآن والسنة  وإمامهم هو إمام الهدى ومصباح الدُّجى محمد e ومن سار على دربه من العلماء العاملين والدعاة الصادقين
نعم  إن الأمة فى حاجة شديدة إلى هذا الصنف من الدعاة فى وقت كثر فيه دعاةُ الباطل والهوى  الذين باعوا دينهم بعرضٍ من الدنيا حقير  فنافقوا الحاكم وهم يعلمون يقيناً أنه يحكم بغير ما أنزل الله  بل وإن أراد الحلًّ حللوا  وإن أراد الحرام حرمَّوا!!
وإن كان الحاكم ديمقراطًّياً قالوا: وهل الديمقراطية إلا الإسلام ؟! ولما كان الحاكم اشتراكًّياً باركوا الاشتراكية وقالوا: وهل خرجت إلا من عباءة الإسلام ؟!
والضحية فى النهاية هى الأمة المسكينة التى تمزقت وتشرذمت خلف صياح القوميين تارة وزخرف الاشتراكيين تارة أخرى ونفاق الليبراليين تارة ثالثة وتدليس علماء الباطل من ناحية رابعة  والأخيرة هى القاصمة  لأن زلة العالِم زلة العالَم !! ولقد أبدع الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فى وصف هذا الصنف الخبيث من دعاة الباطل فقال: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلمُّوا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقَّاً كانوا أول المستجيبين لهم ، فهم فى الصورة أدلاء وفى الحقيقة قطاع طرق" (1)
الثانى:
أما السبب الثانى الذى دعانى للحديث فى هذا الموضوع الجليل  هو أننا نعيش أياماً قد كُلف فيها الذئاب برعى الأغنام !!

وراعى الشاه يحمى الذئب عنها        فكيف إذا الرعاةُ لها الذئاب

وقد وصف النبى e هذه الأيام وصفاً دقيقاً كما فى حديث أبى هريرة  t أنه e قال : "سيأتى على الناس سنواتُ خدَّاعاتُ ، يُصدًّق فيها الكاذبُ ويَكذًّب فيها الصادق ، ويُؤتمُن فيها الخائنُ ، ويُخوًّنُ فيها الأميُن وينطقُ فيها الرٌويبَضةُ قيل : وما الرٌويبَضةُ ؟ قال : الرجل التافهُ يتكلمُ فى أمر العامَّةِ"(2)
سبحان الله !! إنه وصفَ دقيقُ مِمَّن لا ينطق عن الهوى بأبى هو وأمى - e فلقد أصبح اللادينيون والساقطون قادة الفكر والتوجيه وأرباب الأقلام التى تفُسح لها الصفحات ليكتبوا فى كل شئ وفى أى شئ حتى فى دين الله عز وجل بدون بينة ولا هدى من غير خجل أو وجل !!
وأفسَحت لهم الإذاعات المرئية والمسموعة الساعات الطوال لعرض "وفرض" آرائهم وأفكارهم للى أعناق الناس إليهم لَيَّا فى الوقت الذى شنت فيه هذه الإذاعات الحرب على دعاة الإسلام وشباب الصحوة بمنتهى السفور والفجور !
الثالث:
أما السبب الثالث الذى يُحزن الفؤاد ويوقظ كلَّ من غطَّ فى الرقاد هو ما نراه ونسمعه ونقرأه من حملة شرسة مسعورة سافرة على الإسلام بصفة عامة وعلى الشباب المسلم بصفة خاصة حتى أصبح ما يسمونه بالتطرف الدينى لصيقاً بهم وحدهم دون غيرهم وَجُند لتأكيد هذا والدندنة حوله بمناسبة وبغير مناسبة كثيرُ من الكُتاب والصحفيين والمفكرين بل ومن علماء المسلمين بقصد أو بدون قصد !
وراحوا يركزون على إبراز بعض التصرفات الخاطئة من بعض الشباب المتحمس الذى انصرف عنه العلماء فانصرف ينهل من بطون الكتب فوقع فى بعض الأخطاء فهماً وسلوكاً فوضعوها تحت المجاهر المكبرة لخلق حالة من الرعب والإرهاب الفكرى لشلِ حركة الدعوة إلى الله عز وجل ولتشويه صورة الحركة الإسلامية بأسرها
وفى الوقت الذى يُمارس فيه "التطرف" بكل قوة وشراسة ووحشية فى جميع أنحاء العالم !!
فأين هم من التطرف اليهودى الذى يُمارس بعنجهية واستعلاء ضد المسلمين فى فلسطين الذبيحة ؟!
وأين هم من التطرف النصرانى الصربى الذى يُمارس بإبادة ووحشية تخلع القلب وتُذيب الفؤاد ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك على مرأى ومسمع من أدعياء الحرية وَمرُوَّجى مسرحية السلام ؟!
وأين هم من التطرف الوثنى الذى يُمارس بقوة ضد المسلمين فى الهند ؟!
وأين هم من التطرف الأوروبى والأمريكى فى معالجة المشاكل والأزمات ؟!
وأين هم من التطرف الأخلاقى وأساطينه الذين يجاهرون بالمعاصى ويبارزون الله بها فى الليل والنهار ، فلا نجد من يهشهم ولا يعكر عليهم صفوهم  بل نراهم آمنين مطمئنين تصفق لهم الجماهير ، وتهتف لهم الدنيا ، وتُصاغ لهم الأمجاد ، وتذلل لهم الصعاب ، وتفتح لهم الأبواب !!!
فهل من الإنصاف والعدل أن نُلقى باللوم والغضب والتشهير والتحقير والسخرية والازدراء على الشباب الذى يعلن إسلامه ويطالب به فى الوقت الذى نبتسم فيه ابتسامة عريضة لهذا الشباب الماجن الخليع!!
وهل من الإنصاف والعدل أن نسخر من الفتاة الطاهرة التى تسربلت بسربال الحياء والمروءة والشرف والعفة وأن نفخر بالفتاة الكاسية العارية المائلة ! )تلك إذاً قسمة ضيزى(
ومع هذا كله :





قـدراً وأعطى للبطولــة موثقـــا
الخَنَا ومضى على درب الكرامة وارتقى
أم كــان حقّــاً بالكتـاب مصـَّـدقا
عصر تطرَّف فى الهــوى وتزندقــا
أودى بأحــلام الشعوب وأرهقـــا
مَن صانع الكــفر اللــئيم وأطرقـا
والمقتـــدين بــه ونمدح عَفْلِــقا
 

قالوا تطرف جيلنُا لما ســـما
ورمَوه بالإرهاب حين أبـــى
أو كان إرهاباً جهادُ نبينــــا
أتطرفُ إيمُاننا باللـــــه فى
إنَّ التطرف ما نرى من ظــالم
إن التطرف أن نرى من قومنـا
إن التطرف أن نذُم محمــــداً
 

 








السبب الرابع: 
هو نشاط دعاة الباطل لباطلهم من منصرين وشيعة وعلمانيين  ومما يؤلم القلب ما ذكره الدكتور عبد الودود شلبى حيث يقول: "أذكر أننى ترددت كثيراً جداً على مركز من مراكز إعداد المبشرين فى مدريد وفى فناء المبنى الواسع وضعوا لوحة كبيرة كتبوا عليها "أيها المبشر الشاب : نحن لا نعدُك بوظيفة أو عمل أو سكن أو فراش وثير ، إننا ننذرك بأنك لن تجد فى عملك التبشيرى إلا التعب والمرض ، كل ما نقدمه إليك هو العلم والخبز وفراش خشن فى كوخ فقير  أجرك كله ستجده عند الله إذا أدركك الموت وأنت فى طريق المسيح كنت من السعداء(1) 
هذا ما يقال لأهل الباطل ومع ذلك فهم يتحركون فى جميع أنحاء العالم حتى فى أماكن الأزمات والنكبات لا يرى الطفل المسلم والمرأة المسلمة إلا هؤلاء يقدمون الغداء والكساء والدواء ‍ عار علينا  وأى عار أن يتحرك أهل الباطل لباطلهم ولا يتحرك أهل الحق لحقهم!!
عار علينا أن نعلم أن "عدد المبشرين" أى المُنصرين فى العالم الآن أكثر من (22) ألف مبشر منهم (138) ألف كاثوليكى ، (82) ألف بروتستانتى ولا يكفى أبداً أن يتصدى لهم خمسة آلاف داعية إسلامى يعملون فى الخارج هنا وهناك وكيف يكفى خمسة آلاف وفى أندونيسيا وحدها أكثر من عشرة آلاف مبشر"(2)  
الخامس:
أما السبب الخامس والذى أختم به الحديث عن أسباب الخواطر  هو أننى كابن من أبناء الحركة الإسلامية المعاصرة أرى أن الحركة فى حاجة شديدة إلى وقفة تأمل ومراجعة شاملة ، ببصيرة نافذة ووعى حاضر وفهم دقيق ومنطق عميق للتعرف على حجم الإنجازات والأخطاء أيضاً  لتشخيص الداء وتحديد الدواء  وهذا هو ما نحاول أن نقدمه زاداً لأبناء الحركة على طريق الدعوة الشاق الطويل  فإن وقفت فمن الله وحده وإن


(1) الفوائد لابن القيم ص 112 ط 2دار البيان  
(2) حديث صحيح : رواه أحمد وابن ماجه والحاكم (انظر صحيح الجامع 1/681) حديث رقم (365) المكتب الإسلامى الطبعة الثانية 
(1) فى محكمة التاريخ ص / 8  
(2) جريدة المسلمون العدد / 31 نقلاً عن الدكتور عبد الودود شلبى أمين عام الدعوة بالأزهر