الخميس، 12 مايو 2011

الحب.............شريف ابوفرحة

تكلم هامسًا عندما تتكلم عن الحب.. وليم شكسبير
كم كان يغيظني وأنا صغير أن يسألني أحد:
لماذا تحب بابا؟
ولماذا تحب ماما؟
فكنت أعتبر هذا السؤال سؤالًا استفزازيًا من الدرجة الأولى..
فلم يكن عندي سبب، ولا أحتاج لوجود سبب لأحبهما..
أحبهما فقط لأني أحبهما..
هذا هو حب الصغار..
حب غير مشروط وغير مبرر..
ويبدو أنني قد اكتسبت هذه العادة المستفزة، فأخذت أسأل ابني وابنتي لماذا تحباني؟ ولماذا تحبان أمكما؟
فنظرا إلىّ في دهشة، وقالا:
لأنك بابا، ولأنها ماما!!!
فهل يمكنني أن أحب مثل الصغار؟


قرأت عن دراسة قامت بها إحدى المؤسسات الغربية، فتم توجيه سؤال إلى مجموعة كبيرة من الأطفال وكان السؤال حول مفهوم
كلمة (الحب) بالنسبة لهم، وقد خرج الأطفال بتعريفات عجيبة غريبة، لعل من أفضلها ما جاء في الإجابات التالية..
"عندما أصيبت جدتي بالتهاب المفاصل لم تكن تستطيع أن تنحني لتضع الطلاء على أظافر قدميها، فكان جدي يقوم بذلك
لها كل مرة على مدى عدة سنوات، حتى بعد أن أصيب هو بالتهاب المفاصل في يديه لم يتوقف عن القيام بذلك لها .. هذا هو الحب كما أراه - ريبيكا – 8 سنوات".
فقد رأت هذه الصغيرة الحب في إسعاد الآخرين، وبذل العطاء من أجلهم..
"عندما يحبك شخص ما، فإنك تشعر أنه ينطق اسمك بشكل مختلف عما ينطقه بقية الناس،  إنك تشعر أن اسمك بأمان في فمه..  - بيلي – 4 سنوات".
أما هذا فقد رأى الحب في الاهتمام والتودد، وإن كان لم يستطع أن يعبر عن ذلك صراحة، لكن حديثه عن نطق الاسم بشكل مختلف عن بقية الناس، ما هو إلا حديث عن الاهتمام والتودد..
"الحب هو عندما تخرج مع أحدهم وتعطيه معظم البطاطس المقلية الخاصة بك دون أن تلزمه بأن يعطيك البطاطس الخاصة به..-  كريسي – 6 سنوات".
وهذه الرائعة رأت الحب في التضحية بأعظم ما تملك، وهو البطاطس المقلية، دون انتظار المقابل..
"الحب هو عندما تصنع أمي لأبي قهوة ثم تأخذ منها رشفة بالملعقة لتتأكد أن مذاقها لذيذ.. -  داني – 7 سنوات".
أما هذا المدقق الصغير فقد رأى الحب في المشاركة الحقيقية في كل شيء في الحياة، وأبسط هذه الأشياء هو رشف القهوة معًا..
"الحب هو عندما تخبر شابا بأنك معجب بقميصه فيقوم بارتداء نفس القميص كل يوم لأجلك.. -  نويل – 7 سنوات".
وهنا تظهر رؤية جديدة تمامًا، فقد رأى هذا الفيلسوف الصغير الحب في أن أكون كما تريد!!
"أختي الكبرى تحبني كثيرًا لدرجة أنها تعطيني ملابسها القديمة لأرتديها وتضطر هي لشراء ملابس جديدة..-  لورين -4 سنوات".
لم أجد ما يعبر عن جمال وروعة تلك الرؤية الطاهرة للحب في نظر هذه الصغيرة، فهي ترى عطاء أختها - الطبيعي - تضحية تدل على الحب!!
"عندما تحب فإن رموش عينيك تبدأ في الصعود والنزول وتخرج نجوم صغار منك.. - كارين- 7 سنوات".
وعلى الرغم من ظهور أثر الكارتون في هذا التعريف اللطيف، إلا أنه كـشـف نفسًـا رومـانـسيـة
جدًا، تقول لنا في النهاية:
الحب هو الحب.. ولا تعريف له!!
فهل أحب بمثل هذه الطريقة؟
ذات يوم كنت أقود سيارتي ومعي ابنتي الصغيرة، وقد اقتربت من البيت، وعندما توقفت بالسيارة أمام البيت، وهمّتْ بالنزول، أردت أن ألاعبها، فقلت لها:
انتظري، فنحن لن نتوقف..
فنظرت إليّ بدهشة وسألتني:
لماذا
فقلت لها وقد تعمدت تغيير صوتي:
لأني سأخطفك..
فوجدتها تسند رأسها على كرسي السيارة وتقول في هدوء واستسلام:
اخطفني..
فانتبهت وقد أثارني هدوؤها، فقلت لها:
ألا تخافي؟
فقالت بلامبالاة وكأنها تشعر بالملل من هذا الحوار العجيب:
أنت بابا.. لماذا سأخاف؟
فقلت وقد أثارت انتباهي أكثر فأكثر:
لن أعيدك لهذا البيت مرة أخرى..
فضحكت وقالت:
ألن تكون معي؟ أنت البيت!!
حقًا.. أنا البيت..
أنا البيت لها!!
ما طبيعة هذا الحب (العيالي)؟
أيكون هذا هو الحب المطلق الذي يبحث عنه البشر منذ بداية الخليقة؟
غالبًا هو!!
فالعيال عندما يحبون لا يعرفون هدفًا لحبهم ولا غاية..
لا يعرفون سببًا لحبهم ولا يحتاجون له مبررًا..
إنهم يحبون وحسب.. فهل يمكنني أن أحب مثل العيال حبًا بريئًا خاليًا من القيود والشروط؟
كثيرًا ما كنت أسمع والدي يقول حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: [ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار]. البخاري
وكنت أتساءل ما معنى [لا يحبه إلا لله]؟!!
فلما جلست مع العيال عرفت هذا المعنى..
أن أحب لله، معناها أن أحب إنسانًا لإنسانيته، لمجرد أنه عبد لله، لا شرط في حبي ولا قيد، لا منفعة ولا مكسب، لا حدود للعطاء ولا شروط للأخذ..
حب كأنه طاقة إشعاعية تغمرني كلما رأيت هذا الشخص أو تذكرته..
ضوء باهر يأخذ عينيّ فلا أرى إلا أجمل صورة لهذا الشخص..
ومن أجمل ما لاحظته في حب العيال ، أنه لا يعرف شكلًا ولا جنسًا ولا لونًا!!
فالعيال يتعاملون مع كل الناس بقلب نقيّ طاهر، يقبل كل حب، ويشع حبًا يغمر كل من يقترب منه، فلا ترى طفلًا ينفر من إنسان لقبح شكله أو غرابته، بل على العكس، قد ترى طفلًا متعلقًا بشخص دميم جدًا، وأحيانًا لدرجة أنفر فيها من التعامل مع هذا
الشخص، لكن الطفل يعرف كيف يتعامل معه، وكيف يلمس الجانب الإنساني الرائع في هذا الإنسان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق